لعل ما يدور من شد وجذب في هذه الأيام بين دمشق وبيروت يعطي الانطباع للبعض بوجود أزمة بين العاصمتين، لكنه في الحقيقة يمثل رسالة موجهة أكثر مما يعني خلافاً بين موقفين، بمعنى أن تأخير دخول الشاحنات اللبنانية إلى سوريا هو إجراء غير ذي معنى، من وجهة نظر اقتصادية بحتة، من حيث هو يضر بالجانبين معاً على النحو نفسه، بل إن دمشق التي تتعرض لتهديدات بحظر اقتصادي محتمل، لا يمكن أن تبدأ بإجراء من ذلك النوع تجاه لبنان الذي قد يكون متنفسها الأساسي مستقبلاً، فيما لو تحققت التهديدات بهذا الشأن.
لذلك يبدو أن المسألة ذات بعد سياسي في الأساس، ويستبعد أن يكون ذا صلة بالحكومة الجديدة أو بالترتيبات التي أعقبت الانسحاب السوري من لبنان، لذلك فعرقلة دخول الشاحنات اللبنانية إلى دمشق هو في جوهره رسالة سورية مزدوجة إلى واشنطن، أهم ما فيها من مغزى أن دمشق لا زالت قادرة على تحريك ساكن في لبنان، ولو عبر إجراء من هذا القبيل لا يكلفها الكثير بشكل مباشر. كما أن دمشق بالقدر ذاته حريصة على مراعاة المطلب الأميركي بمنع استخدام أراضيها كمنطلق لدعم المسلحين في العراق، لذلك بررت تأخير الشاحنات اللبنانية بالتحري للتثبت من خلوها من أي أسلحة قد تعبر الى العراق!
وقد يكون ذلك التعلل السوري جزءاً من سياق عودة الهدوء الملحوظ الى العلاقة بين دمشق وواشنطن خلال الأسابيع الأخيرة، لكن هل تكون رسائل من هذا النوع فعالة في الحقل الدبلوماسي بين بلدين وصلت علاقتهما حد التنافر الذي وصله الموقف بين السوريين والأميركيين؟!
حسن طاهر-بيروت