تحت عنوان "كفر الفكر وفكر الكفر" نشرت "وجهات نظر" يوم الأربعاء الماضي مقالاً للأستاذ محمد الحمادي، وبعد مطالعتي لهذا المقال أود الإشارة إلى النقاط التالية، أولا: إنَّ معظم من يكتبون عن ظاهرة التطرف والارهاب من الغربيين يردُون الظاهرة إلى أسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وأحيانا ثقافية، بينما يردها كثير من الكتاب العرب المسلمين إلى أسباب فكرية، وبطريقة تنم عن رغبة في تصفية حسابات مع الفكر الإسلامي أو مع من يحملونه.
ثانيا: عبارة الأستاذ الحمادي التي يقول فيها "لقد حرم فقهاء القرون الوسطى ومؤلفو الكتب الصفراء الرسم والفلسفة وحتى المنطق"، عبارة غير دقيقة؛ ففتوى ابن الصلاح، بتحريم الفلسفة والمنطق، التي أوردها الكاتب، لم تشتهر إلا لغرابتها وشذوذها، وكثير من العلماء والمفكرين من أمثال الغزالي وابن تيمية درسوا الفلسفة وقيموا فروعها المختلفة، واستفادوا من بعض علومها. وتبنى كثير منهم المنطق كمنهج في التفكير، وقال الغزالي عبارته الشهيرة عن ضرورة المنطق للفقيه "ومن لا يعرف المنطق (من الفقهاء) فلا يوثق بعلمه".
ثالثاً: إنَّ أصحاب الكتب الصفراء أولئك، هم الذين أنكروا ظاهرة التكفير، ووضعوا ضوابط دقيقة وقيودا صارمة، من أجل الحد منها، ومن ذلك: أنه لا ينبغي تكفير شخص بعينه إلا إذا توافر بعض الشروط، وأنَّ الإنسان، في أقواله وأفعاله، يعذر بالجهل والتأويل، والخطأ والإكراه والتقليد، فلا يحكم عليها بالكفر ابتداءً، إلى غير ذلك من الضوابط التي حدت من الظاهرة.
رابعاً: أحسب أنَّه، ينبغي بدلاً من جلد الذات، التوجه إلى إشاعة الفكر الإسلامي المستنير، الذي كتبه أولئك العلماء بصرف النظر عن لون الورق الذي كتب به، والسعي إلى إيجاد مرجعية مقبولة لدى الجميع، لأنَّ من أسباب التطرف والتكفير، شيوع الجهل، وسوء الفهم والتفسير، وفقدان المرجعية الموثوق بها.
د.أحمد محمد أحمد الجلي-جامعة أبوظبي