لقد كان لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية أثر بالغ على تحسين الحماية في الأبنية العالية في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تصبح أكثر مقاومة للنار وهياكلها أكثر متانة، كما ستصبح عمليات إخلاء الناس منها أسهل من ذي قبل. وقد قام في هذا السياق المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا بعد ثلاث سنوات من التحليل المستفيض عن أسباب انهيار برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك, بتقديم توصياته التي أكدت على ضرورة إدخال تغييرات جذرية على قوانين البناء في جميع المدن الأميركية، وذلك لضمان إنقاذ أرواح أكبر عدد من الناس في حالة حدوث كارثة مشابهة لما جرى في 11 سبتمبر أو في حالات نشوب الحرائق والكوارث الطبيعية.
وقد ورد في مسودة التقرير الصادر عن المعهد, ثلاثين توصية تهم تنظيم عملية البناء وتدعو إلى توخي أعلى درجات السلامة. وقد شملت هذه التوصيات التوسيع في المساحة التي تفصل بين أعمدة السلالم لمنح مرونة أكبر في إخلاء السكان أثناء قيام رجال الإطفاء بعملهم. كما اقترحت تلك التوصيات أن يتم بناء مصاعد ذات أعمدة أكثر صلابة فضلا عن تخصيص مصعد إضافي في كل بناية لحالات الطوارئ. هذا ويدعو التقرير الذي أعده المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا إلى تحسين هياكل المباني لتلافي تلك النوعية من الانهيارات التي طالت برجي مركز التجارة العالمية.
وبالرغم من أن تلك التوصيات التي أُعلن عنها في مؤتمر صحفي بالقرب من موقع مركز التجارة العالمية أثارت الكثير من الجدل في أوساط مقاولات البناء بالنظر إلى ما سيترتب عن تلك التغييرات من تكاليف باهظة، إلا أن المهندسين الذين أشرفوا على إعداد المقترح وإصدار التوصيات أعطوا الأولوية لمعايير السلامة قبل كل شيء. وقد صرح بهذا الشأن الدكتور شيام ساندر أحد المحققين البارزين في المعهد الوطني للمعايير التكنولوجيا التابع لوزارة التجارة الأميركية, واشار الى أن المعهد " يحث بشدة مسؤولي البناء والسلامة أن يولوا اهتماما فوريا بالتوصيات من أجل إدخال التحسينات الملائمة على المباني وعلى الطريقة التي يجري بها تصميمها وصيانتها فضلا عن الإجراءات المتبعة في حالات الطوارئ وإخلاء سكان البنايات".
وفيما يلي بعض من التوصيات الواردة في تقرير المعهد:
- تحديد درجة انحناء البنايات الشاهقة أمام الرياح القوية والزلازل المدمرة. ويشير المعهد أن مطلب تحديد درجة الانحناء ليس مدرجا في قانون البناء المعمول به حاليا.
- تقسيم البناية وفصل أجزائها المختلفة بأبواب مقاومة للحرائق تمنع من تسرب الهواء الذي يغذي النار ويساعدها على الانتشار إلى الداخل، خصوصا في البنايات المصممة للمكاتب حيث توجد بها العديد من المساحات المفتوحة.
- تعزيز المواد المقاومة للحرائق بما في ذلك المواد التي تدعم هياكل البناية رغم حدوث اهتزازات نتيجة اندلاع النيران.
- تحسين وسائل الاتصال أثناء حالات الطوارئ مما يتيح تعقب موظفي الطوارئ داخل البنايات وإبقاء الاتصال معهم.
ويرى المشرفون على التقرير أن إدخال هذه التغييرات سوف لن يبدل المنظر الذي ألفه الناس, ولن تتبدل صورة ناطحات السحاب, بل كل ما سيحصل ببساطة في حالة اعتماد هذه التوصيات وفرض تلك التغييرات هو تعزيز السلامة الداخلية للبنايات ورفع درجة الاستعداد في حالة الطوارئ. وقد جاءت هذه الإصلاحات المزمع إدخالها على البنايات الجديدة لتهدئة مخاوف الناس إزاء سلامة المساكن التي يعيشون فيها ومدى تحملها للكوارث في حالة حدوثها. وقد عبر مجموعة من المهندسين والخبراء عن ترحيبهم بهذه الاقتراحات التي يعتبرون أنها جاءت في وقتها المناسب كنتيجة للدراسات العلمية التي أجريت على هياكل البنايات ومتطلبات تحسينها.
ويقول جيمس كوينتيار أستاذ الهندسة في جامعة ماريلاند: بالرغم من أن بعض اللجان قامت عن حسن نية بسن العديد من اللوائح تشدد على معايير السلامة، إلا أن ما ينقص تلك اللجان هو المعرفة التقنية بالموضوع. ويضيف أن ما وصل إليه المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا من أن الحرائق هي المسؤول الرئيسي عن انهيار المباني يدلل على العجز الذي يشوب قوانين السلامة المتبعة حاليا. وهو ما يحتاج في رأيه إلى تدخل سريع لمعالجة الأمر وإطلاع الرأي العام على فحوى تقرير المعهد حتى يتسنى لهم معرفة الأخطار المحدقة بهم. وفي نفس السياق يعتقد العديد من المهندسين المختصين في مجال البناء أنه يجب تطبيق قوانين السلامة الجديدة التي أوصى بها المعهد على البنايات القديمة بدلا من أن تقتصر فقط على البنايات الجديدة. وقد تكون البنايات القديمة فعلا الأولى بالاهتمام لأنها بنيت في فترة لم تكن فيها معايير السلامة متطورة وهو ما يمكن أن يشكل خطرا على السكان، خصوصا أن هذه البنايات هي أكثر هشاشة وعرضة للانهيار في حالة حدوث الكوارث. وبالرغم من أن الخبراء ينصحون أن يتم اعتماد اقتراحات المعهد وتطبيقها على البنايات القديمة كتقوية أعمدة المصاعد، إلا أنهم في نفس الوقت يحذرون من ارتفاع أسعار البناء وهذا ما ينصحون