لم تعتريني أي دهشة لدى قراءتي عن أن ضباط الشرطة البريطانيين كانوا منهمكين في العمل في "مكتبة مركز اقرأ التعليمي" بمدينة ليدز, بحثاًَ عن خيوط تؤدي إلى أدلة لها صلة بهجمات 7 يوليو الجاري, التي تعرضت لها العاصمة لندن. فقد كان بعض منفذي تلك الهجمات من مرتادي تلك المكتبة. ولذلك فإنني لن أستغرب اليوم إذا ما قيل إن منفذي الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها لندن مرة أخرى يوم الخميس الماضي, قد حولوا بعض تلك الأدبيات إلى عمل إرهابي. ذلك أن مكتبة "اقرأ" هذه, لا تكتفي بمجرد بيع الأدب الذي يحض على الكراهية والعنف فحسب, إنما تنفرد بتوزيع منتجات "الألعاب الإسلامية" وهي منتجات شركة إسلامية مقرها في الولايات المتحدة الأميركية, تختص بإنتاج وتوزيع ألعاب الفيديو. وتصور تلك الألعاب معارك دموية حاسمة بين أنصار وأتباع الإسلام وأعدائهم. ومن بين تلك الألعاب "دفاع الأمة رقم 1" الذي يصور اتحاد العالم بأسره تحت راية الإسلام في نهاية المطاف بحلول العام 2114. والفكرة من اللعبة هي تدمير وسحق الكفار.
دعوني أقول لكم: للكلمات مدلولها, وكذلك المكتبات, وألعاب الفيديو. غير أن التحدي الذي نواجهه اليوم هو: إن كانت المشكلة الإرهابية الرئيسية التي نحن إزاءها اليوم, هي من نوع تلك المشكلات التي يمكن التصدي لها عبر حرب الأفكار وحدها داخل العقيدة الإسلامية نفسها – وأعني هنا حرباً يخوضها المسلمون أنصار الحياة, ضد أولئك الذين يسعون إلى تحويل إحدى كبرى ديانات العالم وعقائده إلى طقس للموت والدمار- فما الذي يمكن لنا فعله, نحن الذين لا ننتمي إلى تلك الديانة؟
الإجابة بالطبع أبعد ما تكون عن الاكتفاء بمجرد تعلية الأسوار والحواجز بيننا, وذلك, خطر. فالمطلوب هو تسليط الضوء ودق أجراس الخطر على كل نبرة حديث تنم عن مشاعر الكراهية. ولما كانت وزارة الخارجية الأميركية قد دأبت على نشر تقرير سنوي عن حقوق الإنسان, فإن من الواجب عليها الآن أن تنشر تقريراً سنوياً آخر عن حرب الأفكار, شريطة أن تكون المادة المحورية لهذا التقرير, تسليط الضوء على أولئك الزعماء الدينيين والكتاب الذين يحضون على العنف والتحرش بالآخرين.
ولو قدر لي إعداد تقرير كهذا, فلا شك أنني سأفعل في تجرد تام ودون أدنى تحيز. عندها لن أستثني أولئك المستوطنين اليهود الذين وصفوا نبي الإسلام الكريم وصفاً مسيئاً كتبوه على جدران بناياتهم في قطاع غزة, مع توجيه شتيمة مماثلة للشيخ عبد الرحمن السويدي, إمام مسجد مكة. ووفقاً لـ"مؤسسة ميمري لخدمات الترجمة" فقد منع الشيخ عبد الرحمن من الدخول إلى كندا, إثر تقرير أعدته المؤسسة نفسها عن خطبة دينية ألقاها الشيخ, وصف فيها اليهود بأنهم "حثالة الأرض" إلى جانب نعتهم كذلك بـ"الخنازير والقردة" وأنه تجب "إبادتهم". كما نسب إلى الشيخ السويدي نعته لأعداء الإسلام الآخرين بأنهم "عبدة الصليب" و"عبدة الأصنام الهندوس" الذين تجب محاربتهم.
ولمن يساوره الشك أقول إن ضوء الشمس لأكثر أهمية مما نتصور. فعلى حد ملاحظة "يجال كارمون" – مؤسس مؤسسة "ميمري لخدمات الترجمة" وهي مؤسسة مختصة بمراقبة المحتوى الذي تبثه وسائط الإعلام العربية- فإن أولئك الذين يعملون على نشر مشاعر الكراهية والعنف, يفضلون البقاء دائماً بعيداً عن الأضواء. ومما يظنه ناشرو ثقافة الكراهية والعنف, أنهم يتحدثون إلى أنفسهم وبلغتهم هم, وأن في وسعهم الهرب بما ينفذونه من عمليات وحشية دموية بعيداً في الظلام. لكن وما أن تفضح كلماتهم وتعابيرهم وتوضع تحت المجهر, حتى يستشعرون الحرج والضغوط التي تضطرهم إلى التراجع أو شرح نواياهم وأفعالهم. وأردف السيد كارمون قائلاً: ما من أحد بالطبع يروق له أن يفضح أمره في الغرب, على أنه داعية للكراهية والعنف.
كما بتنا الآن بحاجة ماسة إلى تعريض "صناع الأعذار والمبررات" للضوء أيضاً. ذلك هو ما قاله جيمس روبن الناطق السابق باسم وزارة الخارجية الأميركية. فمن رأي روبن, أنه وما أن تقع أحداث عنف أو إرهاب في مكان ما من العالم, حتى يخرج إليك صناع الأعذار والمبررات, ليحدثوك عن كيف دفعت الإمبريالية أو الصهيونية, والحرب على العراق, الإرهابيين وحرضتهم على ارتكاب ما ارتكبوه. ومضى روبن إلى نعت صناع المبررات هؤلاء, بأن الذي يفصل بينهم وبين الإرهابيين, شعرة تكاد لا ترى, وأنه من الواجب تعريضهم للضوء وفضحهم أيضاًَ. فحين يعيش المرء في مجتمع حر مفتوح مثلما هو عليه حال المجتمع اللندني – الذي يحق فيه لكل معارض أن يعبر عن نفسه ويكتب أو يقول ما يشاء عبر وسائل الإعلام المختلفة, بل ويرشح نفسه لمختلف الوظائف والمناصب العامة - فإن الإقدام على تفجير حافلة ركاب أبرياء, أو مترو أنفاق باسم التعبير عن الغضب أو الاحتجاج على مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق, إنما فيه تجاوز لحدود الغضب, وإزالة للحد الفاصل ما بين الاحتجاج المشروع, والعمل الإرهابي. الحديث أعلاه لا يزال للسيد روبن الذي استطرد قائلاً كذلك: ويحتاج المجتمع الحر المفتوح إلى بناء حاجز سميك بين الإر