إن تفجيرات لندن الأخيرة تذكر البشر جميعاً بأن الحرب على العنف والتطرف وما يسمى بالارهاب لا تزال تزحف عند أول الطريق عوضاً عن أن تكون قد اقتربت من خط النهاية. والمشاهد للمسرح العالمي بعد دقائق فقط من وقوع أحداث لندن رأى كيف استقبل رجال الشرطة والأمن المدججون بالسلاح، المسافرين الذين كانوا ينوون ركوب وسائل المواصلات العامة كحافلات الركاب والقطارات ومترو الأنفاق، في جميع عواصم العالم الغربي ومدنه الكبرى وقاموا بالتدقيق في هوياتهم وتفتيش أمتعتهم وأجسادهم تفتيشاً دقيقاً.
ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 قامت العديد من الجهات المسؤولة في دول الغرب بضخ مليارات الدولارات في الأجهزة الأمنية المعنية لتحقيق أمن وسلامة وسائل النقل الجوية. ولكن لو أرادت الأجهزة الأمنية فعل نفس الشيء بالنسبة لسلامة المسافرين في وسائل المواصلات العامة البرية فإن ذلك سيكون صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً. ويعود السبب في ذلك إلى أن وضع نظام تفتيش أمني من هذا القبيل يعمل بكفاءة على متن الطائرات سيحتاج إلى العديد من نقاط التفتيش عند مداخل المحطات, وإلى قدرة خارقة في تحريك أعداد هائلة من البشر في نفس اللحظة بسرعة فائقة ومريحة في نفس الوقت.
وبالنسبة لثقافة الانتقال الجماعي في أوقات الذروة لدى المجتمعات الغربية تحاول الجهات المختصة في كل مكان تشجيع المواطنين بكافة فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية على استخدام وسائل النقل الجماعي، وتصرف أوقاتاً طويلة وأموالاً ضخمة لتثقيف المواطنين وتشجيعهم على تقبل فكرة أن خيار الانتقال الجماعي خير من استخدام السيارات الخاصة. ولكن لو وضعت نقاط تفتيش على مدخل كل محطة ونقطة توقف فإن ذلك سيجعل مهمة السلطات المختصة صعبة جداً وسينفر المسافرون من استخدام وسائل الانتقال المعنية ويجعلهم يعودون إلى استخدام سياراتهم الخاصة مرة أخرى في الوقت الذي ستفشل فيه جميع الخطط الموضوعة لتشجيع الانتقال الجماعي، وتزيد الضغوط على استخدام الطرق المعبدة وتفاقم أزمة المرور بشكل عام.
وخلال الأيام القليلة التي أعقبت تفجيرات لندن ظهر خبراء أمن سلامة المسافرين في جميع مطارات دول الغرب بأفكار لحماية محطات الحافلات والقطارات، وجميع تلك الأفكار تقوم على وضع المزيد من رجال الشرطة والأمن في تلك المحطات وتكثيف أعداد الكلاب البوليسية وكاميرات المراقبة بالفيديو, ووضع نقاط تفتيش الركاب وأمتعتهم، ورصد المزيد من الأموال للقيام بذلك. ولكن العديد من جهات وضع القوانين وتنفيذها تعارض ذلك وتقول إنه قبل صرف المزيد من الجهد والمال على عمليات بوليسية تعقد وتحد من استخدام المواطنين لوسائل الانتقال العامة يتوجب على الجهات الأمنية المسؤولة عن سلامة الركاب أن تأخذ نفساً عميقاً وتنظر في كل وسيلة جديدة أخرى ممكنة قبل أن تقوم برمي المال والجهد المتوفر لديها في عمق محيط هائل لا قرار له.
إن ما يحدثه التطرف والعنف وما يسمى بالارهاب في هذه المرحلة من تاريخ العالم يطال الجميع ولا يترك أحداً. فتفجيرات لندن الأخيرة زادت في تعقيد حياة جميع الشعوب الغربية. وبالنسبة للعرب والمسلمين في الغرب زادت حوادث التمييز والعنف ضدهم وأصبحت نظرة الكثيرين من شعوب الدول التي يعيشون في وسطها نظرة مختلفة عن ما كانت عليه قبل وقت قصير مضى. لذلك فإن أي اجراءات بوليسية قاسية ومعقدة لن تحل مشكلة العنف والتطرف وسياسة قتل الأبرياء العزل مرة واحدة وإلى الأبد، وربما يبقى العنف البغيض في أوساط مجتمعنا العالمي إلى وقت طويل قادم في عمر الزمن. ويبقى أن تكاتف البشرية جمعاء وفتح أعينها وآذانها وترشيد ممارساتها يعد جزءاً أصيلاً من دفاعها ضد كل من ينوي الشر تجاهها.