بعد اليوم التاسع من يوليو الحالي وانتقال الوضع السياسى في السودان الى آفاق جديدة دبت الحيوية والنشاط في أروقة الاحزاب السياسية. في وقت واحد مع فارق واضح في حالتي الشمال والجنوب, ذلك لان بعض مظاهر الحراك السياسي في الجنوب تتخذ شكلا عنيفا. ولنبدأ بالجنوب حيث وضح ان بعض التكتلات السياسية الجنوبية التى عارضت حكم (الانقاذ) ولم تلجأ لحمل السلاح أيدت الآن العقيد قرنق وحكومته وقبلت الاجراءات التى اتخذها لإدارة الجنوب، ولكن ما تسمى (قوات دفاع الجنوب) والتى يقودها الجنرال ماتيب والتي كانت تحارب الى جانب الحكومة ضد قرنق، هذه القوات أعلنت صراحة معارضتها لادارة قرنق وقالت: انها ترفض جهاز الادارة المؤقتة للجنوب الذي عينه رسميا الدكتور قرنق. وحذرت مشرفى الولايات الجنوبية العشر من الذهاب الى مواقع عملهم، وزعمت ان قرنق خرق اتفاقية السلام بالاجراءات الادارية التي اعلنها مؤخراً لتنظيم حكم الجنوب الذى يقوده وفق الاتفاقية.
أما في الشمال فإن الحراك السياسي الذي نشط الآن بعد 9 يوليو فإنه يتخذ طابعاً سلمياً, وجوهره خلق تحالفات جديدة للمرحلة المقبلة, وأهم قضاياها الانتخابات العامة التي ستجرى بعد ثلاث او اربع سنوات من بداية المرحلة الجديدة.
وهناك حزب المؤتمر الوطني الذي يحاول ان يوسع مكاسبه بالتحالف مع ما يمكن ان يحالفه. وبالفعل فقد بدأت محاولة يقودها عدد من قدامى زعماء هذا الحزب الذين اتصلوا بالدكتور حسن الترابي بهدف اقناعه بالعودة الى جماعته التى كان يقودها من قبل أي أن يندمج مرة أخرى حزبا المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي لتقوى بذلك وتدعم الحركة الاسلامية في مواجهة الآخرين. ولكن يبدو ان الترابي وضع شروطاً مستحيلة. ولكن الواضح ان هذه المحاولات ستستمر بصورة أو أخرى. إضافة لهذا فإن الحزب الحاكم مهموم الآن بكيف له أن يرضى حلفاؤه مثل الاخوان المسلمين والاتحاديين جناح زين العابدين الهندي وغيرهم. كيف يرضيهم في مهمة توزيع المناصب الوزارية والدستورية بعد أن أصبحت نسبته في الحكم 52% وليس 100% كما كانت من قبل.
وعلى جانب آخر من الحراك السياسى نجد أن حزب الترابي قد فتح خطا للتقارب مع حزب الأمة الذي يقوده الإمام الصادق المهدي. وقد تحالف الترابي والصادق من قبل اكثر من مرة ولكنه تحالف لم يكن يستمر طويلا.
ونأتي الى تجمع المعارضة الكبير وهو التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني. هذا التنظيم ما زال يواصل المفاوضات مع الحكومة لتحدد له نصيبا في المناصب ثم لتعلن رأيها في مطالبه الأخرى بمزيد من الحريات النقابية ورد المظالم وتصحيح الوضع في القوات المسلحة.
ورغم ما يبدو من سلامة هذا التنظيم ووحدته, إلا أن ما عرف حتى الآن يوضح أن هناك قدراً من الخلافات بين فصائل هذا التنظيم, وأبرزها حرص الميرغني على اللحاق بجهاز الحكم خلال الفترة الانتقالية, في حين أن آخرين يفضلون الوقوف في المعارضة كما فعل حزب الامة بقيادة المهدي وكذلك الحزب الذي يقوده الدكتور الترابي.
ومهما كانت نتائج هذا الحراك السياسي الذي تعيشه الخرطوم وغيرها من العواصم السودانية, فإن الحصيلة, أن قيادات هذه الاحزاب أيقنت بالمرحلة الجديدة وأهميتها وضرورة العمل على الإعداد للمرحلة المقبلة والتحدي الذي يواجه الجميع بإجراء انتخابات عامة تكون هي أساس الحكم الديمقراطي المرتقب.