يوم الأربعاء 6 يوليو فازت لندن بجائزة تنظيم الألعاب الأولمبية لسنة 2012 بعدما تغلبت على باريس بفارق أربعة أصوات إثر منافسة شرسة امتدت طيلة الأشهر الفائتة. وفي صبيحة يوم الخميس 7 يوليو بينما كان سكان لندن يتوجهون إلى أعمالهم بمعنويات مرتفعة تعكس فوز مدينتهم باستضافة الألعاب الأولمبية، وقعت تلك الانفجارات الدامية في الحافلة ومترو الأنفاق مما أدى إلى قتل ما يناهز 55 شخصاً وجرح أكثر من 700 آخرين. وبالرجوع إلى التاريخ نجد أن الأحداث القاسية والعنيفة ليست غريبة على مدينة كلندن فهي كانت دائما عرضة للكوارث أكثر من أية مدينة أخرى، حيث تعرضت سنة 1666 للحريق الكبير المشهور الذي أتى على الكثير من معالمها وشرد العديد من سكانها وكان فاجعة كبرى بمقاييس ذلك الزمان. أما خلال الأربعينات فقد واجهت لندن القصف النازي الغاشم الذي أمطرها بكم هائل من القنابل خلف مئات الآلاف من القتلى ودمر العديد من معالم المدينة الأثيرة على قلوب الناس. وتواصلت المشاكل إلى غاية أواخر القرن الماضي عندما كان الجيش الأيرلندي الجمهوري يقوم بتفجير القنابل وسط لندن بشكل منتظم، حيث أدت إحدى تلك العمليات في بيشوبجيت سنة 1993 إلى إلحاق أضرار مادية تقدر بمليار جنيه إسترليني. ومازال اللندنيون يذكرون الرعب الذي كانت تولده في نفوسهم مثل تلك العمليات والتي لم تكن تفرق بين رجل وامرأة أو بين طفل وشيخ.
ولم يكن احتمال وقوع مثل تلك التفجيرات الأخيرة غائبا عن أذهان اللندنيين، خصوصا بعدما حذرهم المسؤولون السياسيون ومفوضو الشرطة أكثر من مرة من احتمال تعرض لندن لاعتداءات شبيهة بما عرفته مدن أخرى كنيويورك ومدريد. كما شددوا جميعا في تحذيراتهم على أن أحداث 11 سبتمبر في أميركا، والتي وقعت بالمناسبة قبل الحرب على أفغانستان والعراق، من شأنها أن تجعل من لندن هدفا واردا في حساب الإرهابيين. أما الآن وقد صدقت تلك التحذيرات، فإني أتوقع تفجيرات أخرى لا تقل دموية عن هذه الأخيرة وذلك إن آجلا أو عاجلا. ولطالما أعلن المسؤولون المكلفون بالأمن القومي في المملكة المتحدة أنهم قاموا بإحباط العديد من الهجمات المحتملة على مدى السنوات الماضية. بيد أن الواقع يشير إلى أن لا أحد يستطيع وقف إرهابي على درجة من العزم والتصميم عن تفجير قنبلة في مكان عمومي حتى لو اتخذت كافة الإجراءات الاحترازية وشدد الأمن مراقبته للعناصر الخطرة التي يمكنها أن تقدم على أعمال إرهابية. ففي الوقت الذي يمكن فيه لأجهزة المراقبة ودوريات الشرطة أن تصعب الأمر على الإرهابي وتعيقه عن مواصلة خططه، إلا أنها لا تستطيع ردعه دائما أو إقناعه بالعدول عن الأفكار الراديكالية التي تدفعه للإرهاب. فبعد عملية تفجير "برايتون" التي كانت قاب قوسين أو أدنى من قتل رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر مع نصف حكومتها التي كانت ترافقها، أصدر الحزب الجمهوري الأيرلندي تحذيرا مخيفا لكنه صائب في نفس الوقت يقول "عليك أن تكوني محظوظة في كل مرة، بينما نحن تكفينا مرة واحدة".
وقد اختار الإرهابيون وقت الذروة من صباح السابع من يوليو ليقوموا بتفجير قنابلهم في أنفاق القطارات بالقرب من محطة "ألدجيت" و"كينجز كروس" و"راسل سكوير"، كما تم تفجير حافلة بطابقين في "تافيستوك سكوير" بجوار مبنى الجمعية الطبية البريطانية حيث كان يعمل ابني حينها. وحتى لو لم تكن القنابل ذات قوة عالية، إلا أن تزاحم المسافرين في المواصلات العامة يجعلهم على مرمى قريب من الشظايا المتناثرة للقنابل مهما كانت التفجيرات ضعيفة. ولحسن الحظ اختار الإرهابيون هذه المرة لتنفيذ هجماتهم أماكن هي أقل من حيث الأهمية بالمقارنة مع اماكن أخرى حساسة مثل "وايت هول" أو "سيتي أوف لندن". ومع كل الجهود التي بذلتها السلطات المختصة، فإن عملية إخراج الجثث من الأنفاق المهدمة تطلبت وقتا طويلاً حتى يتم تأمين الأنفاق. وحسب ما أذكر هذه المرة الأولى التي يتم فيها وقف عمل قطارات الأنفاق بلندن، والمرة الأولى التي علقت فيها خدمات الحافلات مما اضطر مئات الآلاف من الأشخاص إلى العودة إلى بيوتهم مشيا على الأقدام. كما كانت تلك المرة الأولى التي تتعطل فيها الهواتف المحمولة والأرضية بسبب الضغط الكبير على إجراء المكالمات الهاتفية.
ولم تكن السلطات غافلة عن احتمال وقوع مثل تلك التفجيرات. فرغم أن الاستعدادات كانت جارية على قدم وساق لسنوات عديدة، إلا أنها كانت بمنأى عن أنظار الناس. ولعل تلك الاستعدادات كانت السبب الرئيسي في انخفاض عدد الضحايا. وهنا لا بد من الإشارة إلى تلك الروح العالية التي ميزت رجال الشرطة ومصلحة المطافئ والنقل الطبي فضلا عن الأطباء والممرضين الذين أبلوا البلاء الحسن وقاموا بدور متميز لإسعاف الجرحى وإنقاذ حياتهم. ولا شك في أن الجهود الحثيثة للسلطات بعثت الأمل من جديد وساعدت الناس على الخروج من الأزمة. وفي هذا الإطار تم الاعتماد على المستشفيات البريطانية المتقدمة، كما تم استخدام طائرات الهليكوبتر لنقل الفرق الطبية إلى ميدان التفجيرات لتقدي