بالرغم من الاختلاف البيِّن بين منظمة القاعدة وخصومها من الاميركيين والبريطانيين، إلا أن تفجيرات لندن هي جزء من سلسلة الحرب المستمرة والتي اتخذت العالم بأسره ميداناً لقتالها. ومتابعة أجهزة الإعلام الغربية يسيطر عليها التكهن عن شخصية الضحية القادمة، ويتوجهون بهذا السؤال في إلحاح واضح الى الخبراء وغير الخبراء. وفي غياب الاجابة القاطعة، فإن الكل في حالة توجس عام. فإذا كان معيار النجاح هو التوجس في الحياة اليومية عند الخصم وبث الرعب عند مواطنيه، ففي هذه الحالة تكون منظمة القاعدة أثبتت نجاحاً ملحوظاً. والحديث عن معايير النجاح والفشل يدفعنا الى عمل كشف حساب مؤقت عن نتائج تفجيرات لندن: فما هي حسابات الربح والخسارة الحالية بالنسبة لمنظمة القاعدة وخصومها؟ ولنبدأ بالنظر إلى مكاسب المنظمة، وهناك على الأقل مكسبان أساسيان:
1- أن منظمة القاعدة لم تمت، ليست هي فقط على قيد الحياة، بل انها تتمتع بالنشاط والمقدرة على ضرب الخصم في عقر داره. ولتقدير أهمية هذا العامل، فلنتذكر ان واشنطن - عقب الهجوم على نيويورك والبنتاجون - قامت بتعبئة أقصى قوتها وغيرت عقيدتها الاستراتيجية فجعلتها استراتيجية استباقية، ورفعت من ميزانيتها العسكرية لمواجهة هذه المنظمة. وذهبت القوات الاميركية لغزو افغانستان, وللقضاء على منظمة القاعدة من جذورها، بالإضافة الى التنسيق مع دول عديدة من باكستان الى مصر الى السعودية. وأصرت واشنطن على ان يكون بند "مواجهة الإرهاب" هو البند الأول على الأجندة الدولية، ولم تقتصر جهود واشنطن على النواحي العسكرية والسياسية، بل تعدتها الى النواحي الاقتصادية من أجل "تجفيف منابع تمويل الارهاب".
2- تسليط الضوء على فشل السياسة الاميركية في العراق، بالرغم من الحشد العسكري والمالي الضخم من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. فالعنف في العراق في ازدياد مستمر، واحصائيات هذا الاسبوع تقول ان ما يقرب من 2000 عسكري أميركي وحوالى 25 ألف مدني عراقي قتلوا. ولنتذكر ان جزءاً من مبررات غزو العراق كان لمحاصرة القاعدة. وفي مواجهة هذه الحرب التي تبدو دون نهاية وشيكة، من الطبيعي ان يحدث تململ لدى الرأي العام الأميركي، وخاصة في الدول الأوروبية المتحالفة مع واشنطن، وفي مقدمتها بالطبع بريطانيا. وليس من قبيل الصدفة ان يصدر هذا الاسبوع تقرير بحثي من جانب منظمة ذائعة الصيت مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية - تشاتم هاوس - يؤكد ان اشتراك بريطانيا مع الولايات المتحدة في غزو العراق سهل من مهمة القاعدة وهجماتها الارهابية ضد المواطنين البريطانيين.
ثم ماذا عن الخسائر؟
1- اذا كانت المنظمة صادقة فعلا في دفاعها عن الاسلام، فإنها نجحت حتى الآن في الربط بين هذا الدين والارهاب. ففي استطلاع كندي بين الاطفال ربط حوالى 77% من اطفال المدارس الابتدائية بين الارهاب والاسلام بعفوية شديدة. ويقول علماء النفس ان الافكار التي يتعود عليها الطفل منذ نعومة أظفاره تأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم تغييرها، حتى ولو لم تكن هذه الافكار قائمة على سند قوي (كما هو الحال عند معظم الأطفال).
2- ازداد الشك الذي يحيط بالمسلمين المنتشرين في العالم، حتى من جانب أقرب جيرانهم غير المسلمين، الذين بدأوا الآن في تجنب السكن في المناطق ذات الأغلبية المسلمة. وبما ان حاملي المتفجرات في لندن كانوا من الباكستانيين المولودين في بريطانيا، فهناك خطر على عملية الاندماج الاجتماعي لمثل هؤلاء البريطانيين داخل مجتمعهم، بل قد تزداد موجات التمييز والتفرقة في مكان الدراسة والعمل. الاحصائيات الاخيرة تدل على تزايد موجات العنف ضد المساجد والرموز الإسلامية في بريطانيا، وقد تنتشر أعمال التمييز العدائي هذه الى دول أخرى، بعد أن اقترح أحد نواب الحزب الجمهوري الأميركي بضرب مكة بالسلاح النووي.
3- في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يزداد النظر لاسرائيل على انها الضحية الأولى للإرهاب. ففي هذا الصراع بين المحتل الاسرائيلي والفلسطيني المطالب بأرضه، يزداد التعاطف حاليا مع اسرائيل والاستماع لمطالبها، على أساس أنها أول دولة عانت من "هذه المصائب" على حد قول الدعاية الاسرائيلية، واختفى الحديث عن "الإرهاب الاسرائيلي".
وللحديث بقية...