النقطة المهمة التي يجب أن ننتبه إليها ونحن نتحدث عن ظاهرة الإرهاب التي شهدت تصعيداً خطيراً في السنوات الأخيرة في مواقع عدة من العالم، هي حالة الإصرار الغربي المتزايد على إلصاق هذه الظاهرة بالإسلام والمسلمين أين ما وقعت، وتصوير الأمر على أنه صراع ديني وحضاري، ودعم ذلك بنظريات خطيرة لتسييس هذا الأمر مثل نظرية "صدام الحضارات" لصموئيل هنتجتون وتكريس ذلك في ثقافة الغرب وإعلامه ومناهجه الدراسية وتوجهاته السياسية والعسكرية والإقتصادية، وهذا أمر في تصوري فيه الكثير من المغالطات والأخطاء التي لا تتفق نصاً وروحاً مع منظومة الفكر السياسي الخاص بموضوع الإرهاب، حيث إن غالبية أدبيات الإرهاب تشير إلى أن هذه الظاهرة لا ترتبط بدين معين أو جنس معين أو وطن معين. وهي ظاهرة قديمة تعاني منها غالبية دول العالم، ولها أسبابها الخاصة والتي تتعلق بالعديد من الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية والنفسية والفكرية والقومية والعديد من المحركات التي تعمل بصورة مؤثرة على إشعال هذه الحالة في مجتمعاتنا المعاصرة، وأهمها الفقر والاضطهاد والاستبداد والاستعمار والظلم والعنصرية والاستخدام المفرط لسياسة القوة العسكرية.
وهناك أسباب مهمة أشار إليها كورت فالدهايم الأمين العام السابق للأمم المتحدة مثل استخدام حق الفيتو وتهاون الدول الكبرى عن القيام بواجباتها واغتصاب حق الشعوب. وما أريد التركيز عليه هنا هو نتائج الدراسات الحديثة التي أجريت مؤخراً حول هذه الظاهرة والتي حاولت أن ترصد وتشخص هذه الحالة من منظور هذه الأسباب التي ذكرناها.
ربطت صحيفة "واشنطن بوست" في دراستها بين هذه العمليات وما يحدث في العراق وفلسطين، وقالت إن الهجمات الانتحارية لم تكن معروفة قبل عقدين أو ثلاثة، لكنها تمت بسرعة فائقة لتصبح أكثر وسائل الإرهاب انتشاراً في العالم. وأوضحت الدراسة ان السبب في ذلك يرجع الى غزو أميركا للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين, حيث تقول إن ثلثي الهجمات وقعت بعد احتلال أميركا للعراق، ونفس العدد حدث في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 1993.
وفي تقرير المعهد الملكي للشؤون الدولية هناك أيضاً تأكيد لهذه الحالة وهذا السبب حيث أشارت الدراسة الى أن تأييد بريطانيا للولايات المتحدة في الحرب العراقية جعل البلاد أكثر عرضة لخطر الهجمات الإرهابية وان الانسياق خلف حليف قوي أثبت أنه أمر مكلف جداً بالنسبة لحياة الجنود في الجيش البريطاني والأميركي، وحياة العراقيين وللإنفاق العسكري وللضرر الذي سببته الحملة ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة. وعن الكيفية التي يقع فيها الشبان فريسة لمثل هذه العمليات, تحدث "غوهيل" و"ساجيان" الخبيران في مكافحة الإرهاب في دراستهما التي جاءت تحت عنوان "آليات عمل الخلايا الإرهابية في أوروبا" عن عمليات التجنيد, حيث أشارت الدراسة الى أن عمليات التجنيد في أوروبا تتم على أسس معينة يتم من خلالها اختيار الشخص المناسب بمواصفات معينة أهمها الاستعداد للتضحية بالنفس والالتزام بالسرية والصبر والتركيز والذكاء والفطنة والولاء والقدرة على التحليل والقدرة على التصرف.
وركزت الدراسة على دور الأهداف القابلة للاختراق ويقصد بها توعية الشبان الذين يمكن احترافهم وتجنيدهم لهذه المهمة، وهم ممن يعانون من تعثر حظوظهم في الحياة وممن يشعرون بالإحباط ويتميزون بالعزلة ويعانون من إحساس بالاضطهاد. وفي دراسة أجريت في 16 دولة من مختلف مناطق العالم أجراها أحد المكاتب البحثية المتخصصة في واشنطن وشملت عددا من الدول العربية والإسلامية، تبين أن سبب هذا العنف المتصاعد هو الفقر والبطالة وقلة التعليم وان غالبية سكان دول العالم الإسلامي لديهم نظرة سلبية تجاه الولايات المتحدة, وان اليهود هم أساس هذا العنف الإرهابي.
ووفقاً لدراسة صدرت في معهد الولايات المتحدة للسلام فإن نجاح مكافحة الإرهاب لن يتم إلا إذا تم فهم طبيعة وأسباب هذه العمليات ومعالجتها بصورة واضحة. والحقيقة انه إذا لم يتم وضع كل هذه الإشكاليات السابقة وما تحمله في داخلها من أسباب عميقة في دائرة الفحص المختبري العميق والدقيق والاستعجال في وضع الحلول العلاجية السريعة لها ستظل حالة العنف والإرهاب في العالم في تصاعد مستمر.