لن تقتصر آثار ونتائج تفجيرات لندن الدامية على عدد القتلى والجرحى من المدنيين الأبرياء وأسرهم الذين راحوا ضحايا لعملية إجرامية ليس لهم يد ولا ضلع في مسبباتها التي يقول بها الإرهابيون الانتحاريون عادة تبريراً لمثل هذه الأعمال.
صدمة العملية الانتحارية في لندن امتدت وستمتد أكثر لتشمل المجتمع البريطاني بأسره, إذ وضعت المجتمع- وبخاصة الطبقة السياسية والفكرية- أمام أسئلة صعبة كثيرة جرى تجاهلها والانصراف عنها, لأن مواجهتها تعني مواجهة قضايا عميقة الجذور تمس صميم المجتمع البريطاني وعلاقات القوى الاجتماعية والبشرية التي تشكل هذا المجتمع.
أول آثار هذه الصدمة المريعة التي واجهها الانجليز صبيحة اليوم التالي لوقوع عملية التفجيرات الانتحارية, هي حقيقة أن ثلاثة من الشبان الانتحاريين هم مواطنون بريطانيون ولدوا وتربوا في حضن هذا النظام الاجتماعي البريطاني وضمن نسيجه المشكل من مواطنين ذوي ألوان وأعراق وديانات متعددة ومن بينهم مليونان من المسلمين. وهذا قد أسقط القول الشائع في بريطانيا وغيرها من دول الغرب, أن هذا الارهاب الذي يحاربونه هو إرهاب وافد عليهم من عالم المسلمين الآخرين, الإرهاب العربي والآسيوي المتخلف. "فأيديولوجية الشر" التي تحدث عنها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مؤخراً يمكن أن تنشأ وتجد لها مناخاً- وقد وجدت بالفعل- في مجتمع متقدم كالمجتمع البريطاني كما هي حالة الشبان الانجليز الذين قاموا بتفجيرات لندن الدموية.
إن السيد توني بلير قد نطق بجزء من الحقيقة عندما قال لأعضاء حزبه في مؤتمرهم يوم السبت الماضي إن هذا الذي حدث ويحدث "ليس صدام حضارات وإن البشر المتحضرين, أكانوا مسلمين أو غيرهم, يدينونه". لكن بقية الحقيقة التي وقف عن نطقها السيد بلير أن ما حدث ويحدث له علاقة مباشرة بظلم تاريخي وسياسات استعمارية جائرة وإرهاب لا يقل قسوة عن الإرهاب الذي يمارسه حملة "أيديولوجية الشر"، مسرحه الآن بعض أرض المسلمين وتشارك فيه القوات البريطانية في العراق. وعندما يقول أعضاء وزملاء في حزب العمال لبلير, "إن هذا الشر الذي تتحدث عنه ليس أحادي الجانب, فنحن أيضاً مشاركون في المذابح التي تجري ضد المدنيين في العراق" فإن على رئيس حزب العمال, إن أراد حقاً أن يصل إلى جذور ما أسماه "أيديولوجية الشر", ومعرفة الأسباب التي مكنتها من النمو والازدهار المؤقت, أن يفتح عقله وصدره لحوار عميق مع المسلمين, حوار سياسي وفكري, تتساوى فيه الأطراف المشاركة, وهدفه الوصول إلى قلب الحقيقة وليس لمس سطحها. والتعامل مع الحقيقة بالصدق الأخلاقي, وليس المناورة السياسية المؤقتة.
لقد شهد كثير من المعلقين والمحللين والكتاب وأشادوا بالحكمة وهدوء الأعصاب والوعي الذي ساد تعامل الحكومة والشعب البريطاني مع تفجيرات لندن. والوعي السياسي البريطاني لم يسمح لهذه الحادثة المؤسفة والفاجعة, بأن يستغلها المغرضون ضد عامة المسلمين البريطانيين. فلم تشهد بريطانيا ما شهدته الولايات المتحدة من اعتداءات عنصرية على المسلمين والعرب بعد أحداث سبتمبر. وبمثل هذا السلوك المستنير وتنميته وتطويره تحارب "أيديولوجية الشر" وسيكون المسلمون البريطانيون في مقدمة المحاربين ضدها.