منذ أطلق الرئيس المصري مبادرته بتعديل المادة 76 من الدستور المصري ليحول طريقة اختيار الرئيس من الاستفتاء على مرشح واحد إلى انتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح, تصاعد الجدل في الدوائر السياسية حول ما إذا كان هناك صراع بين المجموعة التقليدية في الحزب الوطني الحاكم وبين المجموعة الجديدة التي يقودها نجل الرئيس الشاب من خلال أمانة السياسات.
يرى فريق من المراقبين أن هناك صراعا بالفعل محوره تغيير السياسات القديمة المتبعة في المجال الاقتصادي والمجال الديمقراطي ويستدل هذا الفريق - والكاتب ضمنه - على صحة رأيه بإجراء التعديل الدستوري ذاته وبتقديم حزمة من القوانين الجديدة, المتصلة بالاصلاح الاقتصادي, وهي قوانين تجاري القوانين المعمول بها في المجتمعات الغربية الليبرالية, في مجالات الاستثمار والضرائب والجمارك. وهي حزمة اصلاحية كانت موضع مطالبة من كتاب الإصلاح في مصر, لم يلتفت إليها إلا بعد تكوين أمانة السياسات برئاسة جمال مبارك. هذا في حين يرى فريق آخر من المراقبين أن ما يجري من إصلاحات يمثل تطورا طبيعيا في مسيرة الإصلاح المصرية كان من الضروري أن يأخذ مكانه دون صراعات أو شد وجذب بين التيار التقليدي القديم في الحزب الحاكم وبين تيار التجديد. غير أن النظرة الأعمق تفيد أن النظام السياسي المصري الذي تأسس على أيدي ضباط حركة يوليو 1952 على أسس سلطوية, قد منح صفاته للأعضاء القدامى في الحزب الوطني, وهم أعضاء شارك بعضهم في تنظيمات الاتحاد الاشتراكي والاتحاد القومي التي كانت الجناح الشعبي السياسي لنظام الضباط السلطوي.
وإذا كان هذا النظام القائم على سلطة مركزية قابضة ومحتكرة للقرار السياسي والاقتصادي قد شهد بعد رحيل الرئيس عبدالناصر درجة من الانفتاح تمثلت في تفكيك التنظيم الأوحد وهو الاتحاد الاشتراكي, إلى ثلاثة منابر, ثم ثلاثة أحزاب, فلم يكن ذلك التطور تغييرا نوعيا في صفة السلطوية, بل كان تغييرا في درجة السلطوية وهو ما سمح للدراسات الغربية بأن تطلق عليه صفة النظام شبه السلطوي.
هذه الدرجة تمت المحافظة عليها بعد ذلك مع توسيع هامش الحريات والسماح بإنشاء صحف ومحطات تلفزيون مستقلة. وترتيبا على هذه الصفة للنظام فإن القدامى من القيادات في الحزب الوطني نشأوا في إطار هذا النظام وحملوا سماته وهو أمر يختلف كل الاختلاف عن مجموعة الأكاديميين والإعلاميين التي انضمت أخيراً إلى الحزب من باب أمانة السياسات بقيادة جمال مبارك, الذي تلقى تعليمه في الجامعة الأميركية بالقاهرة وعمل في مجال البنوك في لندن, وتعرض بالتالي لثقافة ديمقراطية مختلفة عن الثقافة السلطوية المميزة لغالبية قيادات الحزب القديمة. إن الموقف الثقافي لدى الرموز المعروفة للرأي العام المصري من بين أعضاء أمانة السياسات هو موقف مسجل من خلال مقالات وكتابات هذه الرموز في الدعوة للإصلاح الديمقراطي والاقتصادي قبل دخولها إلى الحزب بسنوات طويلة وهو موقف استمر بعد الانضمام اليه.
ومن هنا فإذا اعتمدنا المرجعية والثقافة والطبيعة الرسالية لهذه الرموز وقمنا بمقارنتها بالمرجعية التي تربى عليها قدامى أعضاء الحزب في إطار الثقافة والممارسة السلطوية فلا بد أن تنتهي المقارنة, بوجود تمايز واضح فكرياً وثقافياً بين مجموعتين داخل الحزب. وهذا التمايز يعبر عن نفسه في قضايا الإصلاح الديمقراطي على نحو خاص.
فبعد الاتفاق الذي توصل إليه التيار القديم في الحزب مع أحزاب المعارضة على تأجيل قضية الإصلاح الدستوري إلى ما بعد الاستفتاء الرئاسي في سبتمبر المقبل، قام بعض كتاب التيار التجديدي بمطالبة الرئيس في مقالات ومناشدات صحفية مفتوحة بالتعجيل بأجندة الإصلاح الدستوري, ولم يستسلموا لإجماع الأحزاب بتأجيل المسألة. صحيح أن قرار الرئيس بتعديل المادة 76 من الدستور أتى بعد هذه المناشدات, ولكنه يصعب اعتبارها سبب تعجيله بالإصلاح الدستوري. المهم هنا أن التيار التجديدي واصل الدفع في اتجاه الإصلاح رغم ما لاح من انسداد الفرصة بتوافق الأحزاب على التأجيل.
الخلاصة أن هناك بالفعل تيارين أحدهما تقليدي والآخر تجديدي في الحزب الوطني الحاكم ويبدو أن صراعهما هو على كسب عقل الرئيس وتأييده, فبدون حسم الرئيس لا ترجح كفة أي من التيارين.