ما يشهده العالم هنا وهناك من أحداث مأساوية، عدا الكوارث الطبيعية، إنما ناجم عن عوامل ثلاثة هي: الصهيونية والبيروقراطية والأصولية. هذه العوامل الثلاثة لعبت ولا تزال تلعب دورها الكارثي في المناطق التي ابتليت بها. أما المناطق التي تخلصت منها فقد شهدت تطوراً في جميع مناحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية، وتقدمت صناعياً وتكنولوجياً وفكرياً وثقافياً، واتخذت طابعاً إنسانياً راقياً بعيداً عن التعصب والعنصرية، وأضحت في نظر شعوب المناطق المبتلاة قدوة تحتذى، إضافة إلى ما تقدمه من إعانات ومساعدات للدول المنكوبة بعناصر الدمار الثلاثة التي ما وطدت أقدامها في منطقة ما إلا وجلبت لها كل المصائب.
المنطقة العربية المنكوبة بالصهيونية لم تساعدها ظروفها على بناء اقتصاد ترتكن إليه ولا مجتمع يُعتد به ولا استقرار يسمح بالبناء والاستثمار يمكن الاتكاء عليه. لقد امتدت يد الصهيونية إلى كل مكان في العالم، ولكن نجاحها مرهون بالمستوى الثقافي والظروف المحيطة بتلك الأمكنة والبيئات، كونها تجد مرتعها دائماً في بيئات الجهل والتخلف، إضافة إلى أنها تستغل إمكاناتها المالية الكبيرة في التسلل إلى كافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في مختلف البلدان.
أما البيروقراطية فهي الكارثة المتحكمة في عصب الدول المنكوبة بها، تشل قدرتها على التغيير، وتكبح جماح أي تقدم خدمة لمصالح فئات محددة أو التزاماً بقوانين وأنظمة وقواعد سلوكية مقيتة لم يعد للتقيد بها أي معنى في ظل الانفتاح العالمي والتواصل السريع، مما أدى إلى تعطيل مصالح الأفراد والجماعات وكلف هذه الدول المنكوبة بالبيروقراطية جهوداً جبارة ذهبت أدراج الرياح، كان من الأفضل تكريسها لمستقبل أفراد المجتمع ومصلحة الدولة.
أما الأصولية فقد جاءت لتصب نار الفتنة وتشعل المنطقة بالمزيد من الحرائق بعد أن هيأت الصهيونية والبيروقراطية المنطقة لترعرعها فنمت الأصولية في أحضان الجهل والفقر والتخلف والانغلاق وسخرت الامكانات المادية الكبيرة لنموها وتحكمت الأفكار التكفيرية بشبابها، وأغلقت منافذ الحوار، وادعت امتلاك الحقيقة فزعزعت الاستقرار وجلبت الخراب والدمار.
محمد محمود أبوعواد-أبوظبي