خلال "أعياد" السودان و"أفراحه" الصاخبة مؤخراً بمناسبة تنفيذ اتفاق السلام وإنهاء الحرب الأهلية بين المتمردين الجنوبيين والسلطة المركزية في الخرطوم، لم تساير قلوب قلة، وأنا واحد منه، موجة الفرح والتفاؤل اللذين صاحبا تلك التطورات، بما فيها عودة قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان "جون قرنق" وأداؤه قسم اليمين الدستوري نائبا للرئيس عمر حسن البشير، بل تابعت بحذر وانتباه مجمل التصريحات والتعليقات حول المرحلة المقبلة، حيث يلحظ المرء بجلاء أن الترتيبات التي شكلت قاعدة التحول السوداني الجديد، إنما هي تربة رملية رخوة ومهتزة، وبالتالي تجعل كل ما تم تشييده حتى الآن من إصلاح و"حلول" وتسويات عرضة للسقوط والتحطم. بل يكفي أن نلاحظ خطاب القسم الذي أداه البشير وخطاب قسم نائبه قرنق حين أكد الأول أنه ذهب إلى ما ذهب إليه من تنازل وقبول للتوافق وفاء لدماء الذين سقطوا في الحرب، بينما لم يشر الثاني بكلمة واحدة إلى وحدة السودان ككيان وطني.
ثم جاءت قضية حدود "أبيي" التي أعطى فيها مجموعة من الخبراء المحكمين رأيهم، وبادرت الحكومة إلى إعلان اعتراضها عليه، لأنه يضم المنطقة المذكورة إلى حدود الجنوب، مما يظهر مرة أخرى أن ما جرى بناؤه بين الجانبين هش إلى أبعد حد!
ولعل الأخطر من ذلك أن اتفاقيات في غاية الخطورة مثل اتفاقية اقتسام السلطة واتفاقية اقتسام الثروة، لم يُصرْ فيها إلى أي نوع من استفتاء إرادة الشعب.
لذلك لا غرابة أن نعلم بعد أسبوع واحد من عودة "قرنق" أنه منح باسم حركته ترخيصاً لشركة أجنبية للقيام بأعمال التنقيب عن النفط في أحد المناطق الجنوبية، وكأن ذلك ليس من أمور السيادة التي تختص بها السلطة المركزية في الدولة!
ناظم عمر - أم درمان