كان لا بد من خطوة جريئة للنزول إلى الميدان لمواجهة ما بات يشكل تهديدا على مجتمع الإمارات، من تصرفات تتسم بالعنف بدأت تنتشر بين شرائح ليست قليلة من الشباب. وكانت المفاجأة - غير المنتظرة - أن جاءت تلك الخطوة من جهاز الشرطة في الوقت الذي كنا ننتظرها من الجهات المعنية بهذه الشريحة العمرية من المجتمع أو التي يفترض أن تكون معنية بهم. فقد أنهت القيادة العامة لشرطة أبوظبي في الشهر الماضي ورشة عمل بالتنسيق مع الشرطة المجتمعية في منطقة بني ياس, بعد أن استعرضت خلالها العديد من المشكلات والسلبيات التي عبر عنها شباب المنطقة بصراحة.
فمع تزايد ظهور السلوكيات والتصرفات التي تتسم بالعنف والتي تؤدي عادة إلى وقوع جرائم كما حدث فيما اشتهر إعلاميا، بقضية "تايسون" في إمارة رأس الخيمة, وكذلك جريمة قتل قام بها شاب مواطن ضد والد زوجته في منطقة "بني ياس" بأبوظبي وغيرها من السلوكيات العنيفة التي لفتت الأنظار مؤخرا، كان لا بد من مبادرة ميدانية لاستطلاع ومعرفة الأسباب المؤدية إليها، من أجل السيطرة عليها والحد من تفاقمها.
وخرجت شرطة أبوظبي من لقاءاتها مع أبناء منطقة "بني ياس" بنتائج تؤكد وجود العديد من المشكلات والسلبيات التي تبدو بسيطة في ظاهرها ولكنها يمكن أن تكون بيئة مثالية لتفريخ سلوكيات العنف والجريمة مستقبلا.
لقد برزت على السطح مؤخرا العديد من الجرائم وأعمال العنف التي لا تنسجم مع مجتمع الإمارات. وتزايدت هذه السلوكيات تدريجيا كما ونوعا، سواء في المدارس أو خارجها. ويلاحظ أن الارتفاع التدريجي في معدلات هذه الجرائم يعني أنها في طور التنامي والانتشار, وقد تصبح ظاهرة اجتماعية إذا لم يتم السيطرة عليها الآن، ناهيك عن أن جهود السيطرة والاحتواء الأمني والاجتماعي لهذه السلوكيات ستكون صعبة مستقبلا بحكم تفشي هذه النوعية من السلوك وتجذرها وتعمقها بما يصعب ملاحقتها وتطويقها نهائيا.
ولم تعد سلوكيات العنف - كما كانت في السابق - مقصورة على الوافدين وعلى الجاليات الآسيوية تحديدا، بل نجد هناك نسبة لا بأس بها من المواطنين تورطت في أعمال كهذه، ما يؤكد وجود خلل ما وجب معه متابعتها وتسليط الضوء عليها من أجل معرفة أسباب انتشارها تمهيدا لمعالجتها والحيلولة دون تفاقمها بين شباب المواطنين.
وإذا كانت سلوكيات الشباب نتيجة للعديد من المتغيرات، أهمها تأثر المواطنين وخاصة الشباب بالثقافات الأخرى، باعتبار أن هذا الأمر هو أحد الإفرازات السلبية لمشكلة الخلل في التركيبة السكانية، أو أنه أحد الإفرازات السلبية للتنشئة الاجتماعية لأطفالنا على يد المربيات الأجنبيات (البشكارات), التي تزداد مساحة الأدوار المسندة إليهن داخل الأسرة الإماراتية يوما بعد يوم، فإن من الضروري دراسة هذه المسببات ومدى تداخلها ومستوى تأثر أبناء المواطنين بالمتغيرات المجتمعية الطارئة على مجتمعنا، بحيث نتفادى النظر إلى المشكلة من منظور تقليدي ومن زاوية واحدة كي لا نغرد بعيدا خارج السرب، فالمشكلة بحاجة إلى رؤية أكثر وضوحا وشمولية.
وإذا كان من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الحال في المستقبل فإن واقع الأرقام التي تظهر لنا بين الحين والآخر، ربما يعطي مؤشرا ظاهريا على أن انتشار العنف بين الشباب سيتزايد إذا لم نسع إلى الحد من تفاقمه سواء من خلال التعامل مع الأسباب المؤدية إليه، أو من خلال تفعيل دور المؤسسات المعنية بالتنشئة الاجتماعية والتربوية كي تقوم بدورها المفترض في احتواء طاقات الأبناء وتوجيهها وتفريغها بما يفيد المجتمع وبما يضمن عدم تحول هذه الطاقات إلى أعمال ضد أمن المجتمع واستقراره.
وبلا شك، فإن حوار الشرطة مع الشباب هو خطوة إيجابية تستحق الدعم والمساندة، لأنها تعكس أهمية الدور الوقائي للشرطة في استباق الجرائم ومن خلال الدراسات والبحوث المنهجية التي ترصد الظواهر وتحلل الواقع لإيجاد تفسير علمي للآفات الاجتماعية.