نيويورك تفاجأت بالضربات الجوية وارتكبت الإدارة الأميركية كثيراً من الأخطاء في معالجتها للحدث. بلير تعلم الدرس واستطاع بمهارة مواجهة الحدث. لندن كانت تتوقع في لحظة أن تتعرض لمخالب القاعدة، وفعلا استطاعت القاعدة أن تفاجئ لندن بضربة قاسية.
هناك أطراف أميركية وأوروبية لا تريد للمواجهة أن تأخذ شكلها الديني، وأطراف أخرى ترى أنه لا مفر إلا من تسمية الأشياء بمسمياتها. فالكاتب "دانيال بايبز" من أنصار الرؤية التي ترى أنه بعد زوال الخطر الأحمر -ويقصد به الاتحاد السوفيتي- أصبح العالم يواجه الخطر الأخضر, ويقصد به الأصولية الإسلامية.
أصحاب هذه الرؤية يعتقدون بأنه بعد زوال الشيوعية، برزت الأصولية الإسلامية بصفتها الأيديولوجية العالمية المناوئة للغرب. الأطراف المناهضة لهذا التوجه يقولون إن الأصوليين لا يشكلون تهديداً حقيقياً لأن معظمهم يتحركون بدافع أخلاقي وأنهم يطمحون إلى قيام دولتهم الفاضلة.
لا أجد نفسي منتميا إلى أي رؤية منفردة تفسر لنا أسباب ظهور الراديكالية الإسلامية بقدر ما نحن بحاجة إلى خليط بين ما هو سياسي وديني معاً. وربما يساعدنا النموذج الايراني في فهمنا للراديكالية الإسلامية. ففي إيران استطاع قائد الثورة الإمام الخمينى أن يسقط أكبر عتات التسلط باستخدامه للدين كقوة محركة للشارع. والتأييد الذي حظي به الخميني لا يعني أن كل الشرائح الإيرانية تشاركه منطلقاته الفكرية بقدر ما كان همها إسقاط رمز الحكم. الثورة الإيرانية فشلت في تقديم نموذج إصلاحي يقوم على الفكر الديني، وأصبحت الدولة الدينية تعاني من كل الأمراض التي تعاني منها مجتمعات دول العالم الثالث.
أعتقد أن المشكلة التي تواجهنا ليست بالإسلام كدين, ولكن ما نواجهه هو أيديولوجية سياسية تريد أن تفرض نفسها بالقوة. كما أننا في تحليلنا للظاهرة الأصولية, فإننا لا نتحدث عن أصولية واحدة، فلدينا أصوليات مختلفة ومتناقضة مع بعضها البعض, بمعنى أن لدينا تفاسير عديدة للدين وجميعها يجمع على أن الدولة هي الأداة التي يجب إخضاعها لنشر الفكر الأصولي. الراديكالية الإسلامية لها أجندتها الخاصة وهي تسعى إلى قيام الدولة الإسلامية حسب مفهومها.
دخلت الراديكالية الإسلامية بمواجهة مع الحكم في الجزائر واستطاعت أن تحقق انتصارات في صناديق الانتخابات, ولكن لأسباب عديدة لم تصل إلى سدة الحكم. يا ترى لو استطاع الأصوليون الوصول إلى الحكم في الجزائر فكيف يكون الحال اليوم؟! من المؤكد ستكون مصر أول الدول التي تسقط في فخ الأصولية, ومن ثم يبدأ الانهيار التدريجي لحكومات المنطقة. وبعد انتهاء حكم طالبان في أفغانستان تسعى قوة الراديكالية الإسلامية إلى توسيع نفوذها في العراق، فهي إذا ما استطاعت أن تهزم أميركا فإنها من المؤكد ستمنح الأصوليات الأخرى دفعة نفسية ومادية هائلة.
الولايات المتحدة ما زالت تراهن على تطور الحركات الإسلامية كما هو حادث في تركيا، وترى أنه ما زال هناك مساحة لا بأس بها للتعامل مع الإسلاميين, إذا ما وصلوا إلى الحكم شريطة ألا يكون في ذلك تهديد للمصالح الغربية. لا أعتقد أننا نختلف على الإسلام كدين وثقافة وحضارة. إلا أننا لا نرى أن المستقبل يجب أن يتوجه نحو قيام الدولة الدينية، حيث أكد لنا التاريخ فشل نموذج الدولة الدينية التي لو وصل أنصارها إلى الحكم فإنهم بكل تأكيد لن يقبلوا الرأي الآخر لأنهم يؤمنون بأنهم يمثلون الحق المقدس.