هناك بوادر عديدة تشير إلى أن مشروع السوق الشرق أوسطية الكبيرة, بدأت تتبلور من خلال التطورات الاقتصادية السريعة والمتلاحقة. فالرئيس الأميركي جورج بوش أشار بوضوح إلى أن الوقت المحدد لبروز هذه السوق لا يتجاوز عام 2013.
ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني ببساطة إيجاد منطقة حرة للتجارة والاستثمار وفتح كافة الانشطة الاقتصادية أمام المستثمرين من داخل وخارج المنطقة, ومساواة رجال الأعمال من البلدان الأعضاء في السوق الشرق أوسطية في التعاملات والإجراءات الخاصة بالتجارة والاستثمار، مع كل ما يعني ذلك من اشتداد حدة المنافسة في أسواق المنطقة.
يتزامن ذلك مع انتقال العالم الى اقتصاد المعرفة والاتصالات وشبكة المعلومات الهائلة. حيث يعتبر العالم العربي متأخرا في هذا الجانب، وذلك على الرغم من الفرص المتاحة والعقول العربية التي أبدعت وتبدع في أكثر من مجال.
كمرحلة أولى, ستكون هناك علاقات اقتصادية بين كافة بلدان المنطقة وستتطور السوق العربية المشتركة في المستقبل القريب، وربما تنضم اليها بلدان شرق اوسطية غير عربية. ويترافق ذلك مع تواجد اقتصادي غربي قوي من خلال شبكة من العلاقات الاقتصادية في كافة المجالات.
أما في المرحلة التالية فسوف تكون هناك منطقة للتجارة الحرة بين السوق الشرق أوسطية من جهة, والولايات المتحدة من جهة أخرى، مع سعي حثيث من القوى الاقتصادية الأخرى في العالم، وبالاخص اليابان والصين والاتحاد الاوروبي, والذي سيتطور بصورة مذهلة في السنوات العشر القادمة من خلال انضمام ما تبقى من البلدان الأوروبية إليه من جهة، ومن خلال هيمنة اليورو على المزيد من أسواق التداول والنقد العالمية من جهة أخرى.
ماذا بشأننا نحن المعنيين مباشرة بهذه التطورات المتسارعة ؟ هنا بالذات, لا بد وأن تكون لدينا رؤى وبرامج تتيح لنا العمل في السوق الشرق أوسطية بنجاح وبقدرات تنافسية تتناسب والامكانيات والأفضليات الإنتاجية المتوفرة في البلدان العربية. فالسوق القادمة ستتيح إمكانيات متساوية تقريبا لكافة البلدان الأعضاء فيها.
ضمن هذه الأفضليات، يأتي توفر مصادر الطاقة والأسواق الكبيرة نسبيا والأيدي العاملة الرخيصة وكلها عوامل تصب لصالح البلدان العربية، إذا ما قيست ببلدان أخرى في المنطقة.
الخلل في هذا السيناريو أو التوجه يكمن وبصورة خطيرة في ما يسمى برأس المال الفكري, والذي يلعب دورا متزايد الأهمية في تحديد وتعظيم المكاسب الاقتصادية، سواء بين أقطاب السوق المشتركة أو بينها وبين العالم الخارجي.
العالم العربي لا يقل ثراء, وفكرا وإبداعا عن مناطق العالم الأخرى، بدليل الإنجازات العلمية والثقافية التي حققها الكثيرون، سواء داخل البلدان العربية أو في بلدان المهجر. إلا أن العمل في هذا المجال يتطلب استثمارات كبيرة ووقتا طويلا، علما بأن الاستثمار في هذا المجال أصبح أحد أهم وأنجح الاستثمارات بعد التشدد في تطبيق قوانين الملكية الفكرية في نطاق منظمة التجارة العالمية.
باختصار شديد, يتطلب هذا الجانب الهام العمل على أكثر من محور، وتأتي في المقدمة قضية إصلاح أنظمة التعليم والتأهيل أولا, والاهتمام بالبحث العلمي والاختراعات العلمية ثانيا. فموازنات البحث العلمي في العالم العربي لا تشكل نسبة ذات أهمية من مكونات الموازنات السنوية للبلدان العربية.
السوق الشرق أوسطية الكبيرة قادمة والتحضير لها قائم من خلال تعديل الأنظمة والقوانين التي تساهم في تسهيل حركة التجارة ورؤوس الأموال بين بلدان المنطقة من جهة, وبينها وبين العالم الخارجي من جهة أخرى. وحظوظ الربح فيها ستكون أكبر في تلك البلدان التي أخذت على عاتقها تهيئة اقتصادياتها لمرحلة المنافسة الشديدة القادمة.