يخطئ من يظن أن الإرهاب الفاشي ظهر مع ظهور الهمجيين من أمثال قادة تنظيم "القاعدة" الإرهابي، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي وغيرهم من همج القرن الحادي والعشرين. ويخطئ من يظن أن الفكر الإرهابي المقيت الذي يحمله هؤلاء في رؤوسهم ويوزعونه على شباب المسلمين، سيسود أو سينتصر على الحضارة الإنسانية. فالحضارة البشرية تعيش في صراع شبه دائم ومستمر مع المنحرفين من أمثال أولئك منذ فجر التاريخ. ويشتد هذا الصراع تارة ويخبو تارة أخرى تبعا للظروف الإنسانية السائدة. ولكنه حسم في نهاية الأمر لصالح التحضر والتمدن والفكر المستنير وليس لصالح الفكر المتخلف... فالبقاء للأصلح وليس لغيره.
لقد عانت الحضارة الإسلامية في بدايات تاريخها من الفكر الإرهابي، ودخلت في ظلمات عصر الانحطاط الفكري، بل سمي ذلك العصر في الأدبيات التاريخية، الذي يعود تحديدا إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر الميلادي بـ"عصر الانحطاط"، حيث استطاع الفكر المنحرف تعطيل حركة العقل والفكر، وإلغاء دور الأول تماما. وسفكت دماء الأبرياء من المفكرين والعلماء بعد أن تم تكفيرهم باسم الدين.
في ذلك العصر وأد المتزمتون وحاملو الفكر المتطرف لغة العقل والفلسفة والحوار، وأماتوا كل فرصة لنمو الفكر الإسلامي المستنير والمتسامح، وأقاموا مكانه مملكة للشر والكراهية والبغضاء والفكر الظلامي، متحدين بكل صلف وغباء وجهل مبادئ الدين الإسلامي القائم على التسامح واليسر والتحاور، تماما كما فعل "شياطين" "القاعدة" والمارقون من أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي.
إن هذا التطرف والتعصب الأعمى، والفكر المتخلف الذي نما في تربته الإرهاب، تعود جذوره إلى أكثر من ثمانية قرون مضت، وهو فكر قائم على تشويه الدين عن طريق اختيار كل ما هو منفر من الدين لتلقينه للشباب، وهي ذات الطريقة الهمجية التي كانت تدرس في القرون الوسطى... حيث يغرس الفهم المتطرف للدين بنزع كل مبادئ التسامح والانفتاح والتحاور والتشاور والتيسير في مبادئ الدين، وصبغه بصور من الكراهية والحقد وتصوير هذا الدين بأنه دين عدوان وقتل وسفك للدماء. وهذا هو المنهج القبيح الذي تربى عليه قادة الظلام في كل التنظيمات المتطرفة التي ترتدي رداء الإسلام.
ماذا فعلت المجتمعات الإسلامية للقضاء على الفكر المتزمت الذي يجلب الإرهاب والدمار؟. هل سعت إلى التغلغل في أوساط أولئك الذين يغذون أفكار الشباب بالجهل والتخلف ويبعدونهم عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، واقتلعت هذا الفكر والمروجين له من أعماق المجتمعات الإسلامية؟. هل سعت المجتمعات الإسلامية إلى القضاء على منبع الفكر المتزمت الذي يقوده نفر من الجهلاء الذين يريدون أن يفهموننا أن الدين محصور في إطالة اللحى وتقصير الثياب ووضع العمامة وتكفير خلق الله؟.
لقد تعرضت المجتمعات البشرية من قبل لمثل هذه المحنة ولم تتوقف عجلة التقدم والتمدن... فالحياة لا تعود إلى الوراء لأن بعض السفهاء من البشر يريد ذلك، وعجلة الحضارة الإنسانية لا تتوقف خوفاً من صرخة كلب أجرب ينبح في الظلام الدامس...
المجتمعات البشرية المتحضرة قادرة على تخطي هذه المحنة كما تخطت محناً مشابهة في السابق. فالإرهاب الأعمى والتطرف الأخرق والتزمت الجاهل والسفهاء من المنتمين ظلما للجنس البشري، لا يستمرون طويلا... ذلك لأن أي صراع بشري بين الخير والشر ينتهى لصالح الخير ولو طال الزمن...