هذه هي الإجازة الصيفية، حيث يعيش معظم الأسر حالة طوارئ حقيقية استعداداً للسفر لقضاء الإجازة، في حالة أشبه بالهجرة الجماعية إلى مختلف الجهات الأربع، حسب الأسعار في كل جهة، وأيضاً حسب المتوافر من القروض التي تتهافت البنوك على تقديمها في مثل هذه الأجواء من كل عام. من المواطنين من لا يحس للإجازة طعماً إذا لم يقطع شوارع مدن القارة العجوز، فأي طعم للإجازة بدون أن تكون في باريس أو لندن أو فيينا أو غيرها من العواصم الأوروبية! أما ما يقال عن غلاء الإيجارات في تلك العواصم، وغلاء المعيشة فيها في هذا الفصل من العام تحديداً، فـ"لا يخلو من مبالغة"، إذا تذكرنا المبالغ الفادحة المفاجئة التي تهبط من السماء بفعل قروض الصيف السخية التي تقدمها البنوك، في مثل هذه الفترة من كل عام. أما كيفية سداد هذه القروض، فأمر موكول إلى الله وحده.
أما أولئك الذين وقع أو سيقع اختيارهم على شرق آسيا، ماليزيا مثلاً أو تايلاند، فمهمتهم ستكون ربما أسهل وأيسر اقتصادياً بحكم رخص الأسعار نسبياً، وهو ما لا يقارن لو اختاروا المضي بعيداً ... إلى أستراليا مثلاً، ولكنهم وعلى عكس سابقيهم سيفتقدون مِلح الحديث عن أوروبا وعن معالم سويسرا، ومقاهي باريس، و"شوبنج" لندن، عند عودتهم من الإجازة.
على كل حال ... بقي أولئك الذين سيتجهون إلى لبنان أو سوريا، أو إلى مصر، والمغرب، وغيرها من البلدان العربية؛ لقد دعا العديد من الكتاب الأسر الخليجية لقضاء إجازاتها هذه السنة في لبنان تحديداً، لاعتبارات قومية، واعتبر أصحاب تلك الدعوة أن من سيقوم بذلك سيكون قد أدى خدمة قومية. وأنا مع هذه الدعوة، غير أني أريد أن أوسع هذه الدعوة لتشمل كل الدول العربية التي يمكن قضاء الإجازة فيها، وحتى لو كانت البنية التحتية والسياحية في بعض بلداننا العربية العزيزة مهترئة ولا تضاهي مثيلاتها في العالم. وأيضاً أكرر دعوتي على الرغم من المضايقات التي قد يواجهها السائح الخليجي والتي تبدأ من مماحكة سائقي تاكسي المطار، ولا تنتهي عند وضع ختم الخروج في بعض الدول العربية، إلا أن التنوع الطبيعي والمناخي عموماً في الوطن العربي يتيح أكثر من خيار، كما أن مستوى الأسعار في معظم الدول العربية أخف بكثير من بعض الدول الآسيوية، دعك من الأوروبية طبعاً.
غير أن دعوتي هذه لـ"تعريب" إجازات صيف هذه السنة معلقة بشرط واحد هو أن تنال السياحة الداخلية الإماراتية نصيبها كاملاً، أولاًً وقبل كل شيء. فربما لا يعرف الكثيرون من المواطنين والمقيمين أن عندنا في الإمارات من البنى التحتية السياحية والترفيهية ما لا يوجد في دول أخرى. كما أن في الدولة مناطق على قدر كبير جداً من الجمال الطبيعي. وإليكم الآن الميزة الأهم للسياحة الداخلية، وهي وقف هذا النزيف الهائل في اقتصادنا الوطني سنوياً ومع بداية كل صيف. لقد بلغ إنفاق المواطنين والمقيمين خلال العام الماضي وحده على سياحة العطلة الصيفية 18 مليار درهم، حسب إحصائية قامت بها إحدى المؤسسات المتخصصة مؤخراً. وهو رقم هائل لأنه مفقود بالكامل من اقتصادنا الوطني. وما نريده من دعوتنا هذه هو ألا ننسى الإمارات من هذه "الكعكة" الموسمية، فلنضخ بعضها في شرايين الاقتصاد الوطني، وسنكتشف ساعتها أن الإجازة أمتع، وأن الأسعار أفضل، وأن صيفنا ربما كان أيضاً أرحم، بما لا يقارن مع منتجعات الغرب والشرق.