نشر في عدد من الصحف العالمية والعربية دراسة أجراها أحد المكاتب المتخصصة في واشنطن والتابع لمعهد PEW للأبحاث، وجاء فيها ان نسبة المؤيدين لتنظيم القاعدة وزعيمه اسامة بن لادن، تضاءلت في الدول الاسلامية، وخاصة في تلك التي سبق أن تعرضت لهجمات ارهابية، واصطلى فيها البشر بنار الإرهاب، مثل تركيا واندونيسيا والمغرب ولبنان، بعكس الاردن وباكستان، حيث ارتفعت فيهما نسبة التأييد لابن لادن في هذا العام عما كانت عليه في عام 2003 لأسباب تخص كل بلد منهما على حدة.
نتيجة هذه الدراسة التي اعتمدت على استفتاء ما يقارب الألف شخص في كل بلد, كانت معبرة بشكل كبير عن تحليلات كتبت عنها من قبل، وخلاصتها التأكيد على تراجع قدرات وإمكانات تنظيم القاعدة وتحديدا في نسخته السعودية. ومن ضمن المؤشرات التي استخدمتها للوصول لتلك النتيجة، أن مستوى التعاطف الشعبي مع التنظيم ضعف كثيراً لدى الشرائح التي كانت –بوعي أو بدون وعي- تتعاطف مع التنظيم وزعيمه أسامة بن لادن. والدليل, يكمن في المقارنة بين ردة الفعل تجاه أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات لندن. لقد أبدت شريحة كبيرة تعاطفا كبيرا مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر والقائمين بها وعلى رأسهم أسامة بن لادن، وداعبت تلك الأحداث جراحا عميقة في الذاكرة الشعبية تجاه مظالم الولايات المتحدة للشعوب العربية والإسلامية وخصوصا في فلسطين، وانساقت بعض الجماهير خلف سراب القدرة البنلادنية الخارقة، التي تقف في وجه الطغيان الأميركي
وهتف الهاتفون، وصرخ الصارخون، وتسابقت مومياوات الفضائيات العربية المحنطة في تحريك حبالها الصوتية التي اهترأت منذ رحل الزعيم الخالد، وتحطم صنم الناصرية. كما خرجت بعض رموز الإسلام السياسي منتشية بـ"نصر الله" الذي تنزّل، و"جند الله" الذين غزوا الغرب فاتحين منتقمين باسم الله في "غزوة منهاتن"، كما سمّاها بعض المتلفحين برداء العلمية والموضوعية من مثقفي الخليج العربي المتعاطفين مع التنظيم.
لكن الذي حدث بعد تفجيرات لندن كان مختلفا تماما. لقد اندس الصارخون، وتدثر بالجبن المتنمرون، ووصلت النار لمواقع أقدامهم ومنازلهم وعيشهم الرغيد في عاصمة الضباب، التي احتضنتهم طويلا، وهيأت لهم الأجواء ليرسلوا عنترياتهم الفارغة عبر الفضاء. لقد أدركوا أن لغة العالم وقوانينه قد تغيرت، وضاقت عليهم مساحة الحرية وزادت صعوبة اللعب على الحبال واستغلال الثغرات والفجوات القانونية لتبرير الإرهاب دون أن تطالهم يد العدالة، فاختبأ بعضهم عن التعليق وتوارى عن المشهد الجديد، في حين خرج البعض الآخر وهو ينتقي عباراته كمن يسير على حقل ألغام متفجر، وعوضا عن الاندفاع فيما مضى ركبوا حكمة مصطنعة يدفعهم اليها الخوف أكثر من العقلانية.
بعد الحادي عشر من سبتمبر حسبت "السلفية الجهادية" ورموزها العسكريون والشرعيون أن زواجهم مع حركات الإسلام السياسي وأجنحتها المتشددة زواج كاثوليكي. وأصدر الجانبان البيانات المشتركة في الموقف من العراق وغيرها من الأحداث الداخلية، وتحالفوا معا في الهجوم على مخالفيهم من التيارات الفكرية الأخرى، حتى وقعت الواقعة واستعجل السلفيون الجهاديون ثمرة "الإعداد"، وأعلنوا "استعلاء المؤمن"، و صرحوا بتكفير "الطواغيت" وبارزوا الأنظمة السياسية بالعداء العسكري، وخرجوا على الحاكم باعتبار "أن الخروج على أئمة الجور سنة سلفية" كما يردد أحد أخطر منظري الإسلام السياسي محمد أحمد الراشد في كتابه "المسار"، وفي محاضرات له مصورة على أشرطة فيديو.
وحسب السلفيون الجهاديون أن هذه الرموز ستقف معهم وتعلن التأييد...ولكن هيهات.
"لقد استعجلتم"، كان هذا هو جواب رموز الإسلام السياسي على العنف المتمرد الشرّير الذي أطلقت له السلفية الجهادية العنان، ليعيث في الأرض فسادا، تحت ذراع عسكري يحمل اسم "تنظيم القاعدة". لم يكن خلاف "السلفية الجهادية" و"الإسلام السياسي" بسبب اختلاف المبدأ أو الفكر، بل كان –فقط- في التوقيت. و"الاستعجال" قبل استكمال "الإعداد"، بمعنى أن السلفية الجهادية لو صبرت سنوات فقط لانضم رموز الإسلام السياسي وتنظيماته إلى ركب الجهاد، وشاركوا في "الغزوات المباركات"!.
"حركات الإسلام السياسي" في الحقيقة توافق على استخدام العنف كآلية لفرض رؤيتها والوصول للسلطة، ولكنها تعارض "الاستعجال" وعدم استكمال "الإعداد"، كما صرح بذلك قديما محمد سرور بن نايف زين العابدين, أثناء حديثه عن أزمة الحركة الإسلامية في الجزائر بعد تعطيل الانتخابات واندلاع العنف المسلح في بداية التسعينات. كما صرح بذلك –أيضا- أحد رموز الإسلام السياسي في السعودية, كما كرره من قبل محمد قطب في أكثر من كتاب. وعندما خرج تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وقابله رموز "الإسلام السياسي" لاحقا بالاستنكار، شنّع عليهم رموز تنظيم القاعدة وذكروهم بأقوالهم السابقة التي تطرح نفس الأفكار التي يطرحون وتدعو لما يدعون له تماما، وقد قرّعهم على "تناقضاتهم" ناصر الفهد المعتقل حاليا في السعودية في كتابه "التنكيل"، و