الكثيرون في بريطانيا لم يفاجأوا بالكشف عن جنسية وأصول مرتكبي تفجيرات لندن الأخيرة. ذلك أن إحدى أكثر النظريات التي راجت بعيد الحدث الإرهابي مباشرة كانت تقول إن مرتكبيه بريطانيون مسلمون منحدرون من أصول جنوب آسيوية. وجاءت غارة الشرطة البريطانية يوم الثلاثاء الماضي على منازل في غرب يوركشاير، حيث تقطن جالية مسلمة كبيرة معظم أفرادها من أصول باكستانية وبنغلاديشية، لتعزز من تلك النظرية.
وهكذا يجد مسلمو بريطانيا الجنوب آسيويين أنفسهم اليوم في دائرة الضوء المكثف، هم الذين بقوا إلى ما قبل عقد ونصف بعيدين إجمالا عن أي اتهامات بالعنف أو التحريض عليه أو خرق القانون، رغم كل ما واجهته أجيالهم القديمة من مصاعب التكيف مع المجتمع البريطاني أو ما واجهته أجيالهم التالية من حملات من جانب متطرفين بريطانيين. ونقول إلى ما قبل عقد أو أكثر لأن تلك الفترة تؤرخ لانخراط أعداد متزايدة من شباب الجالية في أنشطة جوامع ومراكز ومنظمات إسلامية مسيسة من تلك التي هيمنت عليها رموز سلفية أو جهادية أو تكفيرية قادمة من الشرق الأوسط. هذه الشريحة، وغالبتها محبطة أو تائهة أو ممزقة ما بين هويتين أو متأثرة بما جرى في وطن آبائها من نزوع نحو التأسلم والغلو أو انتشار للحركات الجهادية المسلحة، سرعان ما وقعت ضحية لأجندات خارجية يقودها مدعو المشيخة الدينية ومنظرو الإسلام السياسي والجهادي ممن فتحت لهم لندن ذراعيها ومنعت تعقبهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرية التعبير، خاصة في ظل الاعتقاد السائد في الوسط الآسيوي المسلم بأنه طالما أن هؤلاء من ناطقي العربية، لغة القرآن والحديث، فهم أدرى بالإسلام الصحيح وأقدر على الإفتاء بما يجب وما لا يجب. وبطبيعة الحال استغل أشخاص من أمثال أبي حمزة المصري وأبي قتادة وعمر بكري وغيرهم هذه الحالة البريطانية لاختراق شباب الجالية الآسيوية المسلمة وتلقينهم التطرف ومبادىء الكراهية وتحريضهم ضد مجتمعهم "الكافر"، بل نجحوا في تأسيس قيادات لا تقل تطرفا عنهم في أوساط الجالية من أمثال أنجم تشودري وعبدالحق.
فأبوحمزة الذي تولى إدارة مسجد "فينسبري بارك" ردحا من الزمن هو الذي خطب في الشباب البريطاني المسلم قائلا: "ليس عليكم الذهاب بعيدا آلاف الأميال للجهاد أو من أجل الشهادة. فانتم تستطيعون أن تكونوا شهداء هنا". وهو القائل: إن سلاح التدمير الشامل الحقيقي هو الشهادة، ويكفينا نصف مليون مسلم مستعد للشهادة للاستيلاء على العالم كله. وهو الذي حرض على القتل وسفك الدماء بقوله: لماذا تتدربون؟ لكي تصطادوا الكفار وتحطموا جماجمهم بأيديكم وتنحروا رقابهم وتقطعوهم إربا. فخير من إطلاق الرصاص عليهم، أن تمزقوهم إلى نصفين.
وعمر بكري زعيم ما يسمى بحركة المهاجرين هو القائل: اذهبوا إلى بيوتكم وفكروا في الالتحاق بحركة الجهاد فإن قيام دولة الإسلام الكبرى المطبقة للشريعة ليس سوى مسألة وقت. و"أنجم تشودري" هو الذي خطب مكررا بحماس ما قاله بكري من قبل من: "إن علم الإسلام ذا اللون الأسود يجب أن يرفرف على 10 داونينغ ستريت, مقر رئاسة الحكومة البريطانية". أما زميله عبدالحق فرصد عنه قوله: علينا أن نقاتل من أجل أسامة بن لادن والإسلام وليس من أجل بريطانيا والملكة.
ومثل هذا الخطاب غير المسبوق لا بد وأنه فعل فعلته في أوساط مسلمي بريطانيا الجنوب آسيويين، ولا سيما الشباب منهم، بدليل بروز ظاهرة جديدة في السنوات الأخيرة هي ترددهم في التصريح بأنهم مسلمون بريطانيون وتحبيذهم لوصف "مسلم يعيش في بريطانيا". وفي استطلاع إذاعي أجراه راديو "صن رايز" قبل مدة وشارك فيه 500 مسلم بريطاني من ذوي الأصول الآسيوية، قال 98 بالمئة منهم إنهم لن يقاتلوا دفاعا عن بريطانيا، وقال 48 بالمئة منهم إنهم على استعداد للقتال من أجل الإسلام إلى جانب أسامة بن لادن، فيما وافقت أغلبية كبيرة على مقولة إن هناك حربا بين الإسلام والغرب المسيحي. وتتحمل الحكومة البريطانية مسؤولية كبيرة هنا لأنها لم تبادر مبكرا إلى حماية مواطنيها الآسيويين من تطرف وحماقات من سبق الإشارة إليهم. ويقدر مسؤولو مكافحة الإرهاب وجود 2000 شخص ضمن الجالية البريطانية المسلمة ممن تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات القاعدة في أفغانستان، جلهم من ذوي الأصول الباكستانية و البغلاديشية.
راهنا يبلغ عدد المسلمين في بريطانيا نحو مليوني نسمة أو 4 بالمئة من إجمالي عدد السكان. وأكثر من نصف هؤلاء ولدوا في البلاد كما أن أكثر من نصفهم من أصول جنوب آسيوية، فيما ينحدر الباقون من أصول متنوعة. وضمن الشريحة الجنوب آسيوية تبلغ نسبة المنحدرين من باكستان وبنغلاديش نحو 75 بالمئة.
الوجود الحقيقي للمسلمين في بريطانيا, بدأ في منتصف القرن التاسع عشر حينما وظفت شركات الملاحة البريطانية عمالا من جنوب اليمن وشبه القارة الهندية على ظهور بواخرها. وتذكر المصادر التاريخية أنه في عام 1840 كان هناك نحو 3 آلاف من هؤلاء يترددون على الموانىء البريطانية أو يقيمون في مدن مثل لندن أو ليفربول أو غلاسغو أ