عاد الحديث في دول الخليج العربية مرة أخرى عن البطالة القادمة بين المواطنين، حيث أعلن وزراء العمل في دول الخليج بأنهم يواجهون بطالة في دولهم بين العمالة الوطنية. أحد التقارير حدد بأن هناك حاجة إلى 7 ملايين وظيفة للخليجيين في السنوات العشر المقبلة.
يبقى السؤال هو, هل فعلاً دول الخليج تعاني من البطالة بين مواطنيها؟ الحقائق الديمقراطية تشير إلى أن معظم السكان في دول الخليج من الأجانب, حيث أصبح المواطنون يشكلون الأقلية في بلدانهم. والحقائق كذلك تشير إلى أن معظم سكان الخليج من الشباب ويشكلون ما نسبته 60 في المئة من السكان الخليجيين الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً. وما هو موجود لدينا ليس بطالة وطنية بل سوء إدارة وعدم تخطيط جيد وعدم اهتمام بمخرجات التعليم.
من المسؤول عن هذه الأزمة الجديدة؟ الإجابة واضحة هي الأنظمة السياسية في هذه الدول. بعد اكتشاف النفط لجأت دول الخليج إلى سياسة "الدولة الريعية" التي جعلت المواطنين يعتمدون على الدولة في كل شيء من تعليم وصحة وسكن وخدمات وغيره. وعومل المواطن معاملة خاصة تفرقه عن غيره من البشر العاملين في هذه الدولة والسبب في ذلك هو أن هذه الدولة في سياساتها تحاول تدليع المواطن لشراء وكسب ولاته للنظام السياسي في الدولة. هذه السياسة خلقت مواطنين اتكاليين, يفتقدون الحماس للعمل أو حتى الدراسة ولا يلتزمون بالعمل والإنتاج, لماذا؟. لأنهم يعون تماماً بأن الدولة سوف تحميهم وترعاهم لكسب رضاهم. هذه السياسة أدت في النهاية إلى توظيف مئات الآلاف من العمالة الأجنبية التي أصبحت هي عماد العمل والاقتصاد في هذه الدول.
مع ازدياد عدد السكان تواجه دول الخليج أزمة في الاستمرار في نهجها القديم بتوظيف كل مواطن في الجهاز الحكومي. ففي الكويت مثلاً وصلت نسبة المواطنين الذين يعملون في أجهزة الدولة إلى 94 في المئة من المواطنين بينما نسبة العاملين في القطاع الخاص من المواطنين لا تتعدى 2 في المئة.
الحقيقة المرة أن الحكومات فتحت المجال للتوظيف والعمل غير المنتج للشباب في الجهاز الحكومي البيروقراطي. هذه السياسة جعلت الأجهزة الحكومية متضخمة متسيبة وفاسدة. ومع تزايد المنافسة بين الدول في المجال الاقتصادي وجدت دول الخليج بأن مواطنيها لا يستطيعون منافسة الآخرين لأن أغلبيتهم موظفو دولة. كما أن ازدياد خريجي الجامعات الخليجية الحكومية بدأ يتضخم بشكل سريع جداً, لذلك لجأت حكومات الخليج إلى سياسة إحلال المواطنين بدلاً من الأجانب من العرب والآسيويين العاملين في القطاع الحكومي. ويعود سبب فشل سياسة الإحلال. أن المواطنين غير منتجين وغير ملتزمين بالعمل. ومما زاد الطين بلة هو أن الجامعات الخليجية مخرجاتها التعليمية لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل. فمعظم الخريجين, يدرسون دراسات أدبية وشريعة وهذه لا يحتاجها القطاع الخاص. لذلك تم توظيفهم في الأجهزة الحكومية.
والمواطنون لا يرغبون العمل في القطاع الخاص لأن ساعات العمل أطول والامتيازات الوظيفية أقل من القطاع العام, كما أن أصحاب العمل يرفضون توظيف المواطنين لأن مطالبهم كثيرة لكن إنتاجهم ضعيف. لا بد من وقف سياسة تدليع المواطن وإعادة النظر في مناهج التعليم لكي تتواكب مع روح العصر. هذه العملية صعبة لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. لذلك سمحت دول الخليج للجامعات والمدارس الخاصة بالعمل, والطلب من القطاع الخاص على خريجي الجامعات الأجنبية في ازدياد, بينما الطلب على خريجي الجامعات الأهلية بدأ يقل. هذه الاشكالية تتطلب إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد ورفع دول الخليج يدها عن الاقتصاد وهذا مستحيل أن يحدث... مما يعني استمرار الأزمة.