تجمع يوم الأربعاء الموافق 22 يونيو 2005 ما يزيد على ثمانين دولة ومنظمة دولية في العاصمة البلجيكية بروكسل في مؤتمر يهدف إلى مساعدة العراق على تحقيق استقرار الأمن فيه وإعادة بناء اقتصاده. عُقد المؤتمر بترتيب مشترك من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكن المؤتمرين تبنوا مناقشة البرنامج الذي تقدم به الوفد العراقي والذي كان يحتوي على وعود عراقية ببذل كافة الجهود الممكنة لتحويل العراق إلى قطر اتحادي آمن.
ويبدو أن هدف الولايات المتحدة من عقد المؤتمر إعلامي بالدرجة الأولى.
فعلى الصعيد العملي لم تتمخض عنه أية نتائج ملموسة باتجاه استقرار الوضع في العراق. إن جهود الولايات المتحدة في هذا السبيل تهدف إلى إقناع العامة، سواء كان ذلك في داخل الولايات المتحدة أو في خارجها، بأنها تسير على الدرب الصحيح. فهي منذ مدة تعمل بإصرار على إقناع الداخل الأميركي بذلك. وعلى إقناع المجتمع الدولي بنفس الفكرة وحشد تأييده ودعمه للجهود الرامية إلى إعادة الاستقرار. ومع تدني نسبة تأييد العامة الأميركية للمشروع العراقي الذي تقوده حكومة بلادهم منذ عام 2003، فإن الإدارة الأميركية تسعى إلى الإيضاح بأن الجهود في العراق لم تعد خاصة بالولايات المتحدة وحدها ولكنها أصبحت ضمن أولويات المجتمع الدولي.
وفي تقديري فإن الحشد الدولي الذي حدث أتى لكي يجد له مكاناً مناسباً في استراتيجية الإدارة الأميركية لإعادة الثقة لدى المواطن الأميركي في أن جهودها في العراق تستحق منه استمرار الدعم. وفي هذا السياق قام الرئيس بوش باستقبال إبراهيم الجعفري في البيت الأبيض بعد يوم واحد فقط من عقد المؤتمر، وقام بالحديث عن الشأن العراقي بإسهاب في كلمته التي ألقاها بمناسبة الذكرى الأولى لنقل السلطة والسيادة إلى قيادة عراقية. وقالت وزيرة خارجية الولايات المتحدة بعد أن انفض المؤتمر إنه يشكل نقطة بداية مهمة بين المجتمع الدولي وبين عراق جديد ديموقراطي وحر.
وبالرغم من أن المؤتمر، وكما ذكرنا، لم تتمخض عنه نتائج عملية على أرض الواقع، إلا أنه يمكن النظر إليه على أنه شكل وسيلة لإضفاء الشرعية الدولية على العملية السياسية الجارية في العراق في هذه المرحلة. فالمؤتمر لم ينتج عنه أي دعم واسع جديد. ولكنه شهد حماساً من قبل بعض الدول العربية تجاه الحكومة العراقية الجديدة. فقد أعلنت كل من مصر والأردن عن نيتهما في إعادة فتح سفارتيهما في العراق وإرسال سفيرين إليهما في القريب العاجل، في الوقت الذي أعلن فيه العراق على لسان وزير خارجيته عن النية في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الكويت.
لقد عقد المؤتمر من أجل تسجيل نقاط سياسية من قبل أطراف عدة. فالولايات المتحدة ليست هي وحدها المشارك الذي يسعى إلى استخدام تجمع دولي رمزي بهذا الحجم لكي يستفيد سياسياً، بل إن الأوروبيين أرادوا إعادة التأكيد للمجتمع الدولي على أنه بالرغم من المشاكل الأوروبية المتفاقمة حول الدستور الجديد والاقتصاد إلا أنهم قادرون على ممارسة أدوار مهمة على الصعيد الدولي. وأيضاً فإن العراقيين أرادوا من خلال الحضور ذي المستوى العالي الذي شاركوا به الإيضاح بأن لديهم حكومة تعددية وقادرة، وبأنهم يسيرون في الطريق الصحيح نحو الاستقلال التام، وبأنهم أصبحوا جاهزين لاستقبال مساعدات دولية متعددة وضخمة.
وبالرغم من أنه تم استقبال الوفد العراقي الضخم نسبياً والعالي المستوى الذي تكون من رئيس الوزراء وثمانية من وزرائه ورئيس الجمعية الوطنية من قبل مندوبي الدول والمنظمات الثمانين المشاركين في المؤتمر بحرارة, إلا أنه لوحظ وجود شكوك قوية في أوساط بعض المؤتمرين حول المستقبل وإمكانية استعادة العراق لعافيته في القريب العاجل وقدرة الحكومة الحالية على تحسين الأوضاع خاصة تلك التي تشكل شروطاً مسبقة لإمكانية استقبال المساعدات الدولية وإدارتها بكفاءة.