بدأ بعض الأشخاص في الولايات المتحدة الأميركية يعبرون عن قلقهم من الانخفاض الحاد في قراءة الصحف اليومية من قبل الأميركيين. وبالرجوع إلى لغة الأرقام نرى أن 54% من الأميركيين فقط يقرأون الجرائد اليومية بالمقارنة مع 78% قبل ثلاثين سنة. وإذا ما تمعنا في الإحصاءات أكثر فإننا سنجد أن نسبة القراءة تنخفض أكثر لدى أوساط الشباب، حيث لا تتجاوز تلك النسبة 40% لدى الأميركيين تحت سن 35 سنة، بينما ثلثي الأميركيين فوق سن 55 سنة مازالوا يقرأون الصحف اليومية. وإذا ما واصلت تلك الفئة الشابة إحجامها عن القراءة، فإن ذلك ينذر بتراجع أكبر في قراءة الجرائد في المستقبل، لا سيما عند تقدمها في السن.
ولا يُعزى سبب هذا التراجع الملحوظ في قراءة الجرائد إلى توقف الأميركيين عن سعيهم وراء الأخبار والمعلومات، بل يعزى أساسا إلى احتدام المنافسة مع مصادر أخرى للأخبار. وقد جاء التحدي الأول من ثلاث شبكات رئيسية للتلفزيون في أميركا استحوذت في سنوات الثمانينات على حوالي ثلثي الجمهور الأميركي. غير أن تلك الشبكات لم تبقَ الوحيدة في الساحة حيث تقلصت نسبتها إلى النصف خلال عقد التسعينات نظرا للمنافسة القوية التي بدأت تواجهها من المحطات الفضائية. وبالتأكيد تلقت الجرائد ضربة قوية مع انتشار الانترنت، إذ أصبح بإمكان أي شخص لديه كمبيوتر وموصول بالإنترنت أن يحصل على ما شاء من الأخبار من مجموعة متنوعة من المصادر العالمية دون الحاجة إلى رسوم.
وبالرغم من تلك المنافسة الشرسة فقد استطاع ناشرو الصحف التأقلم مع الوضع الجديد والدفاع عن مصالحهم في عالم متغير.
وقد قامت في هذا الإطار أكثر من 1500 جريدة يومية في الولايات المتحدة بإنشاء مواقع إلكترونية خاصة بها. والمعلوم أن الصحف الأميركية هي عبارة عن مؤسسات تجارية تعتمد على الإعلانات ومبيعاتها اليومية لكي تدر الأرباح وتستطيع الاستمرار. لذا فعندما بدأت المبيعات تتراجع لجأ الناشرون إلى التركيز أكثر على الإعلان، وسعوا إلى جذب المزيد من المعلنين عن طريق فرد مساحات إعلانية واسعة لهم على مواقعهم الإلكترونية. ولم ينتظر الناشرون طويلا لجني الأرباح حيث بلغ إجمالي المداخيل من الإعلانات ما يقارب مليار دولار. وغني عن القول أن تلك المداخيل تشكل عاملا حيويا لنجاح الجرائد اليومية. وبالرغم من أن العديد من الصحف اليوم أصبحت تتجه نحو النشر الإلكتروني، حيث بلغ عدد الصحف الإلكترونية أكثر من خمسة آلاف من دول مختلفة وبلغات متنوعة، إلا أن معظمهم لا يستفيد تجاريا من الإعلانات، كما أن مواقعها تبقى مفتوحة دون مقابل.
بيد أن أهم وأحدث وسيلة لنشر المعلومات يمكن أن تهدد مستقبل الصحف اليومية هي ذلك الابتكار العجيب الذي يطلق عليه إسم "ويكبيديا". ويتعلق الأمر هنا بموقع إلكتروني يطلق على نفسه "الموسوعة المجانية" يمكن العثور عليه بزيارة موقعه (wikipedia.com). ونحن عادة ما نتصور الموسوعات على أنها مجلدات ضخمة تحتوي على كميات كبيرة من المعلومات حول مواضيع شتى مصنفة في مجلدات تتراوح من 15 إلى 20 كتابا. ولطالما استعملها طلبة المدارس وغيرهم كمراجع للبحث عن معلومات دقيقة. ولا تنشر تلك الموسوعات نسخا جديدة محدثة إلا بعد مرور عدة سنوات، حيث غالبا ما تظل معلوماتها ثابتة طيلة تلك الفترة.
لكن عندما ننظر إلى "ويكبيديا"، فإنه بالرغم من بعض القواسم المشتركة التي تجمعها مع الموسوعات التقليدية كاحتوائها على كم هائل من المعلومات تصل إلى 1.6 مليون مادة، إلا أنها مع ذلك تعتبر فريدة من نوعها، وذلك بالنظر إلى عدة جوانب. فكل المواد المدرجة فيها هي ذات طبيعة إلكترونية مما يسمح بتحديثها في أي وقت، هذا بالإضافة إلى أن التعديلات على تلك المواد لا تنحصر في محررين متطوعين، بل تمتد إلى آلاف القراء. وتتيح هذه العملية خيار التعديل الذي يذيل جميع المواد المنشورة في الموسوعة والتي يستطيع أي قارئ استعمالها لإدخال معلومات جديدة أو تعديل تلك الموجودة. لذلك يمكن للقارئ أن يجد معلومات حديثة جدا لم توضع إلا قبل دقيقة واحدة فقط، حيث تواكب الأحداث أولا بأول ولا تتركها تمر دون الإشارة إليها. ولعل أهم خصائص "ويكبيديا" أنها تنشر آخر الأخبار على مدار الساعة تماما كما تقوم بذلك القنوات التلفزيونية الإخبارية، وهي بهذا لا تختلف كثيرا عن محطة "سي.إن.إن".
وللتدليل على مدى متابعة "ويكبيديا" للأنباء ونشرها أولا بأول, قامت الموسوعة المجانية ببث تقارير مفصلة فور وقوع تفجيرات لندن في 7 يوليو، حيث بدأت تجري تحديثا للمعلومات بصفة متواصلة كلما رشحت معلومات جديدة. وفي هذا الصدد قامت بتصحيح فوري لأوقات الانفجارات كانت قد نشرتها خطأً، كما قامت بتتبع تصريحات الشرطة وربطتها بالموقع ليتسنى للقارئ الاطلاع على المعلومات من مصدرها دون وسيط.
وما أن أقدمت الجهة التي تبنت العمليات وهي "منظمة القاعدة في أوروبا" على إصدار بيان تعلن فيه مسؤوليتها حتى بادرت "ويكبيديا" إلى نشره باللغتين العربية والإنجليزية مع إضافة بعض التفس