عندما ارتُكبت مجزرة نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، وصفت الولايات المتحدة المجزرة بأنها بيرل هاربور ثانية. وذلك على أساس ان العدو خارجي. وان الولايات المتحدة تضرب لأول مرة في تاريخها من الخارج، وان الضربة وقع فيها ضحايا وخسائر فادحة. وعندما ارتكبت مجزرة لندن في السابع من يوليو 2005 وصفت لندن المجزرة بأنها صورة جديدة عن القصف النازي للعاصمة البريطانية الذي جرى خلال الحرب العالمية الثانية. فلندن تضرب عشوائياً. والضربة تستهدف أبرياء، كما تستهدف شريان الحياة بين اجزائها.
وفي المرتين، نيويورك ولندن، وُجهت الاتهامات الى مسلمين. وفي المرتين ايضاً ربط المواطن الاميركي، كما ربط المواطن البريطاني، ما حلّ به من مآس ومن دمار وخراب بالاسلام. وارتسمت في أذهاب الاميركيين والأوروبيين جميعاً، بل في أذهان شعوب العالم كله صورة تربط الارهاب بالمسلمين. لقد تزامن ارتكاب جريمة لندن المروعة مع ثلاث مناسبات دولية هامة:
اولاً: انعقاد قمة الدول الصناعية الثماني في اسكتلندا والتي كانت تستقطب اهتمام العالم كله لانها كانت مخصصة لبحث قضية تلوث البيئة الذي أدى الى تغييرات مناخية تشكل خطراً على سلامة شعوب عديدة في اطراف الأرض، كما انها كانت مخصصة لبحث قضية الفقر في افريقيا حيث يعاني الملايين من البشر من المجاعة والامراض الفتاكة.
ثانياً: إعلان اللجنة الأولمبية الدولية اختيار لندن لاقامة دورة الألعاب الأولمبية في عام 2012، الأمر الذي يعني شباب وشابات العالم كله.
ثالثاً: إحياء الذكرى العاشرة لمجزرة سيربرينيتسا في البوسنة حيث ارتكب الصرب مجزرة ضد المسلمين كانت الاكبر في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فقد قتل في هذه المجزرة اكثر من ثمانية آلاف رجل وطفل بأمر من قائد القوات الصربية الجنرال راتكو ملاديتش الذي لا يزال فاراً من وجه العدالة الدولية حتى الآن. ولعل أبشع ما في هذه المجزرة انها ارتكبت تحت أنظار قوات الامم المتحدة - كتيبة هولندا - وفي بلدة أعلنتها المنظمة الدولية منطقة دولية آمنة.
وعندما وقعت جريمة قطار الأنفاق في لندن، تحولت انظار العالم عن هذه القضايا الثلاث، لتتركز حول الجريمة الجديدة. فقرار قمة الدول الثماني بمنح افريقيا 50 مليار دولار، وبمنح الدولة الفلسطينية ثلاثة مليارات دولار لمساعدتها على بناء مؤسساتها بعد الانسحاب الاسرائيلي المتوقع في الشهر المقبل من قطاع غزة، مرّ دون استيعاب عالمي لمعانيه ونتائجه. والسعادة التي غمرت بريطانيا باختيارها مضيفة للألعاب الأولمبية تحوّلت الى كابوس حول ما يمكن ان يحدث عندما تغرق لندن بفيض من رياضيي العالم بعد ست سنوات من الآن. بل ان الكابوس وصل حتماً وتحديداً الى رياضيي دول العالم الاسلامي الذين قد يتحولون الى هدف للشك والمراقبة، وربما للمضايقة ايضاً.
أما ذكرى مجزرة سيربرينيتسا فقد مرّت دون ان يتوقف امامها أحد. إذ بدا الاهتمام بها في أوروبا مناقضاً للاهتمام بالجريمة التي وقعت في لندن. فقد كان من الطبيعي ان يفتر حماس الأوروبيين وأن يخبو تعاطفهم مع مسلمي البوسنة والهرسك في الوقت الذي يتهم فيه مسلمون بارتكاب الجريمة في لندن. وفي الوقت الذي تلقت فيه روما وكوبنهاجن تهديدات بالتعرّض لعمليات مماثلة. مع ذلك فقد ألقت جريمة لندن الضوء على حقيقة طالما تجنبت الولايات المتحدة وبريطانيا الاعتراف بها. وهي ان الحرب على الارهاب التي اعلنها الرئيس الاميركي جورج بوش بعد جريمة 11 سبتمبر 2001 لم تنجح، وأن الحرب على العراق زادت الطين بلة. لقد أدت جريمة 11 سبتمبر الى مقتل 2752 انساناً بريئاً من الاميركيين ومن جنسيات مختلفة بما فيها جنسيات دول اسلامية. وأدت جريمة مدريد الى مقتل 191 انساناً بريئاً من الاسبان ومن جنسيات اخرى كانوا يسعون وراء أرزاقهم في صباح ذلك اليوم المشؤوم من شهر مارس من العام الماضي. أما جريمة لندن فقد أدت الى مقتل اكثر من 50 انساناً بريئاً من البريطانيين ومن جنسيات دول اخرى، كانوا في طريقهم الى أعمالهم أو مدارسهم.
يزيد عدد المسلمين في بريطانيا على ثلاثة ملايين نسمة، الا ان من بينهم حوالى الألف شخص فقط تصنفهم اجهزة الامن البريطانية بأنهم من المتشددين والمتطرفين. فهل تقدم بريطانيا على ما أقدمت عليه الولايات المتحدة عندما أصدرت "القانون الوطني" الذي فرضت بموجبه قيوداً على الحريات العامة تتناقض مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع والدولة الاميركيين؟. وكيف سيكون تعامل الرأي العام البريطاني الذي أصيب بالصدمة من جراء الفاجعة التي حلّت به، مع الجاليات الاسلامية المنتشرة في طول البلاد وعرضها؟. إن المؤشرات الأولية تعيد الى الأذهان ما حدث في الولايات المتحدة واسبانيا وحتى في استراليا (بعد حادث التفجير في جزيرة بالي الذي استهدف حوالى المائة من السياح الاستراليين)، وهو أمر يتناقض مع طبيعة المجتمع البريطاني المشهود له بالتسامح والانفتاح, وكذلك برد الفعل العقلاني المحسوب وليس العشوائي الذي يتسم بطابع الع