تحتل الفيروسات مكانة خاصة بين أنواع الكائنات الحية، فالفيروسات بطبيعتها طفيلية، تعيش داخل الخلية الحية وتتغذى عليها من الداخل. ولا يمكن للفيروسات أن تتكاثر، إلا بعد غزوها لخلايا حية، ومن ثم السيطرة عليها، واستخدامها في انتاج فيروسات مشابهة. أي أن الفيروسات عندما تغزو خلية وقت العدوى، تحولها إلى آلة تصوير، تقوم بنسخ وانتاج المئات والآلاف من النسخ المطابقة للفيروس الأصلي. وتختلف هذه العملية عن معظم ما يحدث في الكائنات الحية الأخرى، حيث دائماً ما تحتوي الذرة على مكونات جينية من الأبوين. ولكن في حالة الفيروسات، يحدث التكاثر من دون استخدام المادة الوراثية من الفيروس الأب، وتتحول الخلايا الى مصانع ذات خطوط تجميع، تعمل لصالح الفيروس. وتتعدد وتتنوع الأمراض التي تتسبب فيها الفيروسات بين البشر، فهناك مثلا البرد الشائع، والذي يمكن ان يحدث نتيجة العدوى بواحد من فيروسات متشابهة عديدة، بالإضافة إلى الإيدز، والجدري، والهربس التناسلي، وغيرها الكثير من الأمراض.
ومن الصعب في هذه المساحة استعراض الأمراض الكثيرة التي يمكن أن تنتج عن العدوة بالفيروسات، وتتفاقم المشكلة إذا ما وضعنا في الاعتبار، أن الأمراض الفيروسية تشهد إضافة أعضاء جدد لمجموعتها باستمرار. فعلى سبيل المثال وقبل عقود قليلة من ظهر فيروس (HIV) المسؤول عن الإصابة بمرض الإيدز، وهو غير معروف تماماً للعلماء. ومؤخراً اكتشف العلماء، مسؤولية فيروس الثآليل الجنسية (papillomavirus) عن الإصابة بسرطان عنق الرحم، مشكلاً بذلك أول دليل قاطع على وجود علاقة في البشر، بين الإصابة بالأمراض السرطانية وبين العدوى الفيروسية. ويوجد حالياً خلاف حاد بين معسكرين من العلماء، حول تبعات الإصابة بفيروس معروف باسم (Borna Virus). هذا الفيروس معروف عنه التسبب في إصابة الخيول بأمراض عصبية، ولذا يرى البعض أن إصابة البشر به، قد تؤدي أيضاً لإصابتهم بأمراض نفسية. هذه الحقائق تعني أن الفيروسات، خرجت عن نطاقها المعتاد في التسبب في أمراض معدية، لتتجاوزه إلى التسبب في الأمراض السرطانية والنفسية.
ولكن بغض النظر عن الأمراض السرطانية والنفسية، تظل المشكلة الرئيسية المصاحبة للفيروسات، هي قدرتها على التسبب في أوبئة عالمية. أفضل مثال يجسد هذه الحقيقة، هو العلاقة بين الجنس البشري وبين وباء الإنفلونزا. فهذه العلاقة والممتدة عبر آلاف السنين، أخذت شكلاً أكثر دموية خلال القرن الماضي، مما مكنها بالفعل من تغيير مسيرة التاريخ البشري عدة مرات خلال أقل من مئة عام. فخلال تلك الفترة شهد العالم ثلاثة أوبئة من الإنفلونزا، يصنف كل منها ضمن أشد الأوبئة المرضية فتكاً على الإطلاق. الوباء الأول، والأكثر شهرة وعدداً في الضحايا، هو وباء الإنفلونزا الإسبانية، والذي استمر على مدار عام1918-1919، وتسبب في مقتل ما بين 2.5 الى 5 ملايين شخص، وهو عدد أكبر ممن قتلوا خلال جميع معارك الحرب العالمية الأولى، من العسكريين والمدنيين. الوباء الثاني للإنفلونزا حدث عام 1957 وعرف بوباء الإنفلونزا الآسيوية. أما الوباء الثالث فحدث عام 1968 وعرف بإنفلونزا هونج كونج. ويعتقد الكثير من العلماء أن وباء جديدا من الإنفلونزا على وشك الحدوث، وسيصيب ساعتها ربع أفراد الجنس البشري، ليتم حجز ثلاثين مليون مصاب منهم في المستشفيات لتلقي العلاج. وفي النهاية سيلقى سبعة ملايين ونصف مليون منهم حتفهم، ويضيف العلماء أن مثل هذا الوباء، لن ينتج عنه ضحايا فقط، بل سيؤدي أيضاً إلى دمار اقتصادي واسع النطاق، يشمل جميع القطاعات الاقتصادية، ولا يستثني دولة أو شعباً.
وبخلاف دراما الأوبئة والعلاقة بين الفيروسات والسرطان، تلعب الفيروسات أيضاً دوراً بالغ الأهمية على صعيد الصحة العامة، وخصوصاً صحة الأطفال. أفضل مثال لتوضيح هذا الدور هو مرض شلل الأطفال، وهو مرض فيروسي شديد العدوى، يصيب في الغالب الأطفال تحت سن الخامسة، وتحدث العدوى بالفيروس عن طريق الفم، من خلال شرب المياه الملوثة أو تناول الطعام الملوث بالفيروس. وعند وصول الفيروس إلى الأمعاء، يتوالد بكثرة وتتضاعف أعداده بشكل كبير، ليهاجم بعدها الجهاز العصبي، مما قد يؤدي إلى شلل المريض التام في غضون ساعات قليلة.
وتظهر أعراض المرض الأولية على شكل حمى وصداع وقيء، مع تصلب في عضلات الرقبة وآلام شديدة في الساقين، وغالباً ما ينتهي المرض دون ترك آثار تذكر على المصاب، ولكن في الحالات سيئة الحظ، يصاب المريض بالشلل الدائم والذي غالباً ما يكون في الساقين، أو يلقى مصرعه. ولا يوجد حتى الآن أي عقار قادر على قتل الفيروس. إلا أن التطعيم يمنح مناعة ضد المرض مدى الحياة. ومنذ قرابة العقدين والمنظمات الصحية الدولية والمحلية، تبذل جهوداً كبيرة في القضاء على هذا المرض، وبالفعل انخفض عدد الإصابات من 350 ألف حالة في عام 1988، إلى مجرد 276.1 في عام 2004. ويتشابه الوضع في الكثير من الأمراض الفيروسية معه في شلل الأطفال، حيث لا يتوفر عقار قادر على قتل الفيروسات في معظم الحالات