أثار الإعلان عن قتل السفير المصري بالعراق جدلاً شديداً بين المصريين انعكس في الصحافة ومؤسسات المجتمع المتنوعة. على المستوى الرسمي دخل وزير الخارجية في جدل علني مع الناطق باسم رئيس الوزراء العراقي ليث كبة. فقد رأى الوزير في تصريحات رسمية نشرتها صحيفة "الأهرام" أنه مما يثير الاستغراب والدهشة أن تتلقى مصر تصريحات عراقية تناقلتها وكالات الأنباء بشأن اتصالات كان يقوم بها السفير الشهيد إيهاب الشريف مع الفصائل المسلحة في العراق. وأوضح الوزير أن الظروف تقتضي تكثيف الجهود من أجل تعقب القتلة واحترام مشاعر الشعب المصري, وليس إطلاق هذه التصريحات. الوزير المصري عبر عن الاستياء عندما وصف التصريحات بأنها تدعو للتساؤل حول مغزاها والهدف منها، وما إذا كان المقصود هو إبراء الذمة من دم الشهيد وتجاوز المسؤولية أم ترديد شائعات وتبريرات للمأساة التي وقعت.
من ناحية ثانية, دخلت الصحف الحزبية المعارضة والمستقلة في جدل مع الوزير المصري حول زاوية أخرى تتصل بكيفية تأكد الحكومة من خبر إعدام السفير. وفي هذه الزاوية تساءلت الصحف, لماذا صدقت الحكومة خبر قتل السفير دون مراجعة؟، وكيف سارعت إلى إصدار بيان احتساب السفير شهيدا بمجرد إذاعة الخبر من جانب تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين؟ وهو تساؤل يحمل في طياته إيحاء بأن الخبر يمكن أن يكون للتضليل ولوقف جهود الحكومة العراقية لملاحقة المختطفين لإنقاذ السفير, وهو ما كان يستوجب التريث.
الزاوية الأوسع للجدل من جانب الصحف والمثقفين في مجتمعاتهم تتصل بمدى صواب القرار الذي اتخذته الحكومة برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في العراق إلى مستوى سفير، ولماذا تم إرسال هذا الشخص بالذات بعد خدمته الدبلوماسية في إسرائيل وتعريضه لخطر متزايد من جانب المنظمات الراديكالية الرافضة للسلام مع إسرائيل.
وفي هذه الزاوية رأي يعتقد أن قرار رفع التمثيل الدبلوماسي جاء في إطار صفقة دولية مع الولايات المتحدة, في حين ترى الخارجية المصرية أن القرار جاء لدعم الاستقرار العراقي بعيداً عن أي مطالب أميركية. أما فيما يتصل باختيار دبلوماسي سبقت له الخدمة الدبلوماسية في إسرائيل فقد تأرجحت التقارير, حيث أفادت بعضها أن السفير إيهاب هو الذي أبدى رغبته في الخدمة بالعراق رغم علمه أن الخارجية تفضل عدم إرسال دبلوماسيين خدموا في إسرائيل إلى أي دولة عربية، في حين أفادت تقارير أخرى أن الوزارة صممت على اختيار هذا الشخص بالذات رغم إعلانه التحفظ, لكسر القواعد المطبقة على الدبلوماسيين المصريين الذين سبقت لهم الخدمة في إسرائيل.
ومازال هذا التضارب في التقارير معلقاً دون حسم غير أن النتيجة العامة التي خلصت إليها أقلام عديدة في الصحف المستقلة والمعارضة من هذا الجدل هو إلقاء المسؤولية على الحكومة, سواء فيما يتصل بقرار رفع التمثيل الدبلوماسي أو اختيار هذا السفير بالذات.
من زاوية المسؤولية المباشرة عن عمليتي الاختطاف والقتل انفجر جدل بين مدرستين الأولى تقبل فكرة أن تنظيم القاعدة هو المسؤول طبقاً لما أعلنه, وتؤسس لهذه الفكرة بالحديث عن خطورة التطرف الفكري الديني الذي يفرز جرائم ضد المدنيين غير مبررة. والثانية تصمم, اعتماداً على قياسات وتحليلات وسوابق ذات طابع سياسي تاريخي, على أن المسؤول الفعلي هو الموساد, ويرى أنصار هذه المدرسة, وبينهم رجال أمن سابقون وعلماء ومفكرون دينيون, أن تنظيم الزرقاوي لا وجود له في حقيقة الأمر, وأنه مجرد لافتة يتخفى خلفها جهاز المخابرات الإسرائيلي لإشاعة الفوضى في العراق. وقد أدلى بعض أنصار هذه المدرسة بشهادات حصلوا عليها من بعض العلماء العراقيين من زملائهم في المؤتمرات, وهي شهادات تفيد بأن أبواب العراق بعد الاحتلال أصبحت مفتوحة وأن المخابرات الإسرائيلية قامت باغتيال عدد كبير من العلماء العراقيين المتخصصين في مجال الذرة في بيوتهم أو أمامها.
إن طبيعة الجدل الدائر في مصر حول قتل السفير يمتد ليشمل موقف الحكومة عموماً من رعاية مواطنيها في الخارج سواء كانوا أشخاصاً عاديين أو رسميين. وفي تقديري أنه جدل صحي كاشف عن مرحلة مختلفة في ثقافة حرية التعبير ومحاسبة الرأي العام لتصرفات الحكومة في مصر.