في مقاله القيم "الليبرالية والأيديولوجيا" (6/7/2005)، نقرأ تحليلا قويا للدكتور خالد الدخيل يحاول خلاله الإجابة على السؤال: لماذا لم تستطع الليبرالية أن تتحول إلى أيديولوجيا ذات فاعلية في الثقافة العربية؟ لكن رغم أهمية المقال، فإن الدخيل وقع في أخطاء منهجية وفكرية عديدة، أولها أنه إذ يعتقد أن الفردية هي قطب الرحى في الليبرالية، فهو يعلق إذن عملية نجاح الليبرالية، ومن ثم قيام الديمقراطية في مجتمعاتنا، على تفكيك الجماعة وروابطها وسائر القيم التي تسندها تلك الروابط إزاء فكرة الذات الفردية، وهذه نتيجة يتم إسنادها إلى شرط يبدو مستحيلا في الواقع.
ويعتبر الدخيل أنه لا حدود على الحرية المطلقة للقائد أو الزعيم في العالم العربي إلا من خلال الاعتبارات الخارجية، والتي تمارس ضغوطها أحيانا على ذلك المستبد، فتوازناتها هي التي أخرت إسقاط صدام حسين، ثم سمحت بإنهاء حكمه أخيرا، لكن ذلك لا يستقيم مع محاولة الكاتب دمج الاستبداد السياسي كجزء لصيق بسياق الثقافة العربية ذاتها، فذلك الاستبداد الذي يشير إليه تحديدا وجد سنده فكرياً وأمنيا في الخارج على الدوام، وأضيف أنه في نسخه المختلفة يجد الآن حليفه الداخلي في نخبنا الليبرالية ذاتها! لذلك، وهذه مشكلة لم يتطرق إليها الدخيل، لا وجود لليبراليين عرب. فكل الذين ينتحلون هذه الصفة في مجتمعاتنا، هم في الأساس حراس لما هو قائم من تخلف اجتماعي واستبداد سياسي، ولا ينتمون بحال من الأحوال إلى ذلك التاريخ الطويل الذي اضطلعت خلاله النخب الليبرالية بعبء مقارعة الاستبداد والتسلط والهيمنة في مجتمعاتها وانحازت إلى خيار الأغلبية في امتلاك مصيرها ومواجهة عوائقه! إننا نراهم اليوم أكبر المصفقين لغزو وإخضاع الشعوب واحتلال أراضيها ولقمع الرأي العام ومنع تعبيراته الحرة على اختلافها، بل يزينون الاستبداد ويضعون له آلاف النياشين!.
كوثر حسن الصمادي- الأردن