طرح الرئيس جورج بوش في خطابه في " فورت براج" حجتين جوهريتين. أولاهما، هي أن الحادي عشر من سبتمبر والحرب على العراق وجهان لظاهرة واحدة هي ظاهرة الإرهاب. وهذا يعني أن هزيمة الإرهابيين في العراق ستمثل في نفس الوقت هزيمة للإرهاب الإسلامي الدولي. أما الحجة الثانية، فهي أن الهزيمة الأميركية، أو الانسحاب من العراق ستكون لهما أصداء دولية تشجع الإرهاب في كل مكان، وتثبط في نفس الوقت من همة قوى الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
أنا من المناوئين لاستمرار الحرب. ولكن دعوني أحاول مع ذلك أن أحلل هاتين الحجتين بشكل محايد، وخال من الأهواء. الشيء الأول الذي يجب أن نتفق عليه في هذا السياق، هو أن حرب العراق هي حرب دينية في جزء منها وحرب وطنية في جزئها الآخر. فالأصولية الإسلامية ليست عقيدة مستوردة من الغرب، وإنما هي عقيدة إسلامية محضة، ليست لها أطماع توسعية سياسية، وإنما تهدف إلى تحويل المسلمين الآخرين - وليس أتباع الديانات الأخرى- الذين يتبنون قيماً علمانية أو إلحادية، يخشاها أتباع تلك الأصولية، ويريدونها أن تظل دوماً بعيدة عن ديارهم. بمعنى آخر، إنها تمثل نتاجاً إسلامياً أصيلا، أو حركة إصلاح راديكالي، تشبه من بعيد الحركة الطهرانية في القرون الوسطى الأوروبية، كما تشبه حركات الإحياء التي بزغت في مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي.
وهذه الحركة لا تهاجم الغرب بغرض هزيمته أو التغلب عليه، وإنما تهاجمه لأنها تعتقد أن الغرب - وأميركا وإسرائيل على وجه التحديد- يهاجم الإسلام في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها، وأن ثقافته المتغلغلة تفسد القيم الإسلامية. وإذا ما تركت مثل هذه الحركة في حالها، فإنها سوف تعمل على إضفاء الصبغة الراديكالية على المجتمعات التي تعيش فيها، وهو ما سيؤدي إلى تحويلها إلى مشكلة إسلامية داخلية، بدلا من أن تكون مشكلة... معنا. وسوف يؤدي هذا إلى وضع الحركة الأصولية على أول طريق الفشل، لأنها وكما أثبتت الحالة الإيرانية، لا تمتلك إجابات على أزمة الإسلام في مواجهة العالم المتمدن.
وقد تم صرف أنظار الكتل الجماهيرية غير الأصولية في العالم الإسلامي عن الفشل الذي لحق بهذه الحركة على أرض الواقع، وعن عدم أهميتها للمجتمع الإسلامي الحديث، بواسطة الهجوم الدراماتيكي المضاد الذي شنته الولايات المتحدة في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، والذي أسفر عن احتلال أفغانستان والعراق. ومن المعروف أن الحرب في العراق تقدم أقصى فائدة دعائية للمتطرفين الإسلاميين اليوم، وأن الهزيمة الأميركية هناك ستمثل مصدراً لإلهام المقاتلين الإسلاميين في أماكن أخرى... وهو ما يهدد في المدى القصير الحكومات المعتدلة أو المؤيدة للغرب في العالم الإسلامي. ولكن هل ستؤدي تلك الهزيمة إلى تحقيق تلك النتيجة بشكل أكثر فعالية مما تقوم به الحرب المندلعة حالياً في العراق؟
في المدى الأطول، سوف تجبر تلك الحركات المقاتلة المسلمين على مواجهة المشاكل الداخلية لمجتمعاتهم وحضارتهم، ولكن من المنتظر أن يتضاءل تأثيرها في النهاية، وأن يعاد استيعابها في التيار الإسلامي الرئيسي.
في جميع الأحوال فإن هذه الحركات الإسلامية المقاتلة، لا تشكل خطراً جوهرياً على الغرب, بصرف النظر عن الهجمات التي تشنها على رموزه ومبانيه من وقت إلى آخر. فهذه الحركات تمثل إزعاجاً فقط للعالم الغربي، أما للإسلام المعاصر فإنها تمثل تهديداً لا شك فيه.
ولكن ماذا عن النصر الأميركي في العراق الذي يعني انهيار التمرد، واستمرار الحكومة العراقية المدعومة أميركياً؟ قد يقنع هذا الحكومات الشرق الأوسطية بقبول السيادة الأميركية في المنطقة لفترة من الوقت (سواء تلا ذلك تحول نحو الديمقراطية أم لا)، كما أنه سيغذي تيار القومية العربية الموجود في قرارة الوعي العربي، والذي سيستمر حتماً، ويركز بعد ذلك على طرد الولايات المتحدة من المنطقة.
قد يؤدي هذا إلى تقليص احتمالات شن هجمات إرهابية جديدة على الولايات المتحدة وغيرها، ولكنه يمكن أن يؤدي إلى العكس أيضا. فالغضب والرغبة في الانتقام اللذين سيشعر بهما المقاتلون العرب المهزومون، سوف تتوجه إلى أماكن أخرى، وقد تكون هذه الأماكن أهدافاً أسهل. إن النصر والهزيمة يعملان وفقاً لحسابات غير موضوعية، عندما يتعلق الأمر بالدين والقومية. ففكرة الشهادة، ولأسباب دينية وتاريخية، تمثل قوة جوهرية لدى المسلمين الشيعة، الذين يعتبرونها عملا من أعمال البطولة والفداء.
النقاد الغربيون للحرب العراقية يقولون إن هذه الحرب توفر أفضل ظروف لتفريخ التطرف. بشكل عام، يمكن القول إن المقاتلين من كل نوع بما في ذلك المجندون الغربيون الوطنيون في وحدات النخبة العسكرية، يميلون إلى استمداد الإلهام من فكرة المجد المقترن بالموت في سبيل قضية أو هدف نبيل، وهي الفكرة التي قامت عليها الجيوش دائماً. ومن الواضح أن هذا الفكرة، أو هذا العامل على وجه التحديد، يعتبر عنصراً من العناصر التي تستخدم في استقطاب عناصر الجهاد العالمي وتجنيدها ضد الولايات المتحدة الأمير