أعتقد أن أهم درسين يمكننا الخروج بهما من تراجع رجل الأعمال الهندي "باتيل" صاحب شركة أرز ماركة الـ"سنارة" في معركته مع الجمعيات التعاونية بالدولة، هما، تأثير دور المجتمع لخدمة القضايا الوطنية بالدولة وبيان أهمية الاستغلال الأمثل لوسائل الاتصال المتوفرة عندنا في الدولة، حيث لعبت الرسائل النصية للهواتف المحمولة دوراً مهماً في تناقل دعوة مقاطعة السلعة، أرز الـ"سنارة"، مما سيوفر ميزة للمجتمع نحن سنكون بحاجة إليها مستقبلا عندما يتم تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة وقانون "العولمة"، لا سيما أن التحدي القادم، لكل دول العالم وليس الإمارات فقط، يتمثل في تراجع دور الحكومات في السيطرة على السوق وآلياته مقابل نمو دور المؤسسات غير الحكومية.
فما أوضحته حملة صحيفة "الاتحاد" حول إلغاء الاحتكار وارتفاع الأسعار، والتي انتهت الأسبوع الماضي، باعتذار مكتوب من صاحب شركة أرز الـ"سنارة" إلى المستهلكين، أن هناك حلقة مفقودة في بناء رأي عام محلي داعم لقضايا دولة الإمارات الاستراتيجية، هي سقوط الأقلام والآراء في فخ الصراعات الشخصية بعيدا عن النقاش الموضوعي، والميل إلى الدفاع والانتصار للرأي الشخصي بغض النظر عن الهدف الأسمى وهو المصلحة العامة لدولة الإمارات. كما أوضحت أيضا، أنه رغم أهمية تفاعل وسائل إعلامنا المحلية، من تلفزيون أو صحف وكتاب رأي، مع القضايا الوطنية، مثل الخلل في التركيبة السكانية والبطالة ومشكلة العنوسة، إلا أنها وبدون مبرر، ما زالت دون مستوى الحدث بل إنها تحاول الهروب عنها بعيدا رغم أهميتها.
فإذا ما قام المثقفون وقادة الرأي بالتعاون مع وسائل الإعلام في الدولة بدورهم ومسؤوليتهم تجاه المجتمع وتوعيته فإنه من الضروري أن النتيجة ستكون - كما كانت مع حملة إلغاء الاحتكارات ورفع الأسعار - في شكل بناء رأي عام إماراتي يوازي أهمية القضية المطروحة. فمسؤولية المثقف تجاه المجتمع تتطلب منه تفاعله مع القضايا الوطنية وهموم الجماهير. وانطلاقاً من ذلك، فلقد أثبتت قضايانا الوطنية مثل، الخلل في التركيبة السكانية وإفرازاتها السلبية من خدم المنازل ومشاكلهم والعمالة الهامشية وسلبياتها، والاختلاسات المالية والبطالة وغيرها من المشاكل، أنها لا تنقصها التشريعات واللوائح المنظمة لها ولا تنقصها النصوص، بقدر حاجتها إلى تعبئة الرأي العام المحلي. فأغلب المواطنين غير مدركين لحجم السلبيات التي يمكن أن يخلفها استمرار تلك المشاكل دون حل. ولعل السبب في غياب ذلك الإدراك، يعود إلى ظهور بعض الآراء والأصوات التي تقلل من الآثار السلبية, بالشكل الذي يوضح عدم توحيد الرؤية الوطنية مع استراتيجية الدولة في حل تلك القضايا، وبالتالي تشتيت الرأي العام حولها.
إن نجاح حملة صحيفة "الاتحاد" في إجبار التجار على التراجع عن موقفهم، برغم أنه حدث سبق لمجتمع الإمارات - حيث لا أذكر أن تراجع تاجر من قبل عن موقفه- فهو يدفعنا إلى الحديث عن أهمية تفعيل دور المجتمع خدمة للقضايا الوطنية لدولة الإمارات، وإلى أهمية تكاتف كافة الفعاليات المجتمعية لخدمة المصلحة الوطنية والعمل على تفادي تشتيت المواقف والجهود في المسائل والقضايا المهمة. كما يدفعنا، ذلك النجاح، إلى الحديث أيضا عن أهمية استثمار الرأي العام المحلي والقوى المجتمعية, أو بالأحرى تنظيمات المجتمع المدني ممثلة في جمعيات النفع العام وغيرها بشكل أوسع لتعديل الكثير من سلوكيات أصحاب المصالح وتصرفاتهم التي تناقض القيم المجتمعية للدولة وتثير الاستياء خصوصا بالنسبة إلى ما تبثه بعض القنوات الفضائية من مناظر غير لائقة أخلاقيا.
أخيرا، فمثلما نجحت حملة "الاتحاد" في التأثير على مواقف التجار من الممكن أن تنجح جهود الدولة في حل القضايا الوطنية إذا ما تم النظر إليها بشمولية من قبل المثقفين كما فعلوا مع التجار، فالكتابة في الصحف أو التقليل من حجم الإفرازات والآثار السلبية لتلك القضايا من شأنها أن تفاقم المشكلة، وبالتالي الخروج عن السيطرة.