من المؤكد أن هناك خللا جسيماً حدث أدى إلى اختـلال في نـظام هذا العالـم. قبل بضعة أيام سمعنا عن الحشد الأوروبي الكبير لإنقاذ أفريقيا من الموت. والأرقام المتوفرة لدينا عن القارة السوداء تشير إلى تزايد أعداد الموتى مرضاً وجوعاً. ففي نيروبى فقط هناك أكثر من 200 ألف طفل يفترشون الشوارع ولا مأوى لهم. إنها مأساة أكبر من قدرة البشرية على استيعابها حيث لم يواجه العالم مثل هذه المأساة في تاريخه الحديث.
وفى صباح السابع من يوليو استفاق العالم على انفجارات في عاصمة الضباب وتطاير الأشلاء من قوة الانفجارات. أشلاء بشر لا ذنب لهم إلا أنهم تواجدوا في تلك اللحظات في مكان الانفجار. كانت لندن شقيقة مدينة نيويورك ومدريد الضحية الثالثة الجاهزة للاغتصاب والذي شعر معه المغتصبون بإشباع سادي ما بعده إشباع. ولم يكتفوا بذلك بل اغتنموا فرصة انشغال المجتمع بالاحتفال باختيار المدينة مقراً للألعاب الأولمبية لعام 2012 وانشغال الدولة باستضافة مؤتمر إنقاذ أفريقيا الذي تحضره أغنى ثماني دول في العالم للقيام بفعلتهم الدنيئة.
أغرب ما نلحظه في هؤلاء القتلة أن رائحة الموت تمدهم بالحياة وتقربهم إلى جنة الخلد الموعودين فيها. وقبل لندن بساعات قتلوا السفير المصري في بغداد السيد إيهاب الشريف، وقالوا إنه مرتد وأوقعوا عليه عقاب الردة. وقبلها كم شهدنا من الضحايا تقطع رؤوسهم كالخراف أمام الكاميرا. ولم تتمكن صيحات الضحايا ولا توسلاتهم من إعادة الرحمة إلى قلوب هؤلاء البرابرة. إنها مأساة بشرية أن يتجرد الإنسان من أحاسيسه, ويصبح التفنن في القتل مصدر إشباع لرغبات دفينة لم نكن كمسلمين وعرب ندرك وجودها بين ظهرانينا. ومن المحزن أن هؤلاء القتلة يظهرون وهم يحومون حول الجثث مقطوعة الرأس وهم يرددون "الله أكبر.. الله أكبر"، أي إسلام هذا بربكم؟
كل الأطراف المتصارعة تقول قيم الإسلام لا دخل لها في ما يحدث، والغرب المسيحي لا يريد أن يهدر وقته في صراعات دينية جديدة، خاصة أن المسلمين يعيشون في بلاد الغرب.
البعض يقولون إن ما يحدث اليوم هو امتداد لحقب تاريخية دخل فيها الإسلام في صراع مع المسيحية، إلا أن الكل يجمع على أن أعمال الذبح والقتل والتدمير ليست من روح الإسلام في شيء وأنها ضد مبادئ الدين الحنيف. إلا أن الحقيقة تقول إن هذه الأفعال الشنيعة نشأت وترعرعت في وسط بيئة إسلامية. البعض الآخر فسر الصراع الدائر اليوم على أنه هجمة الغرب على الشرق العربي وأن هذه الهيمنة هي التي أوجدت صيغ الصراع الدموي الذي شاهدناه في نيويورك ولندن ومدريد والرياض والكويت والجزائر.
إنها أزمة ومأساة كبيرة تدعونا للتوقف برهة للتفكير والتساؤل إلى أين نحن سائرون؟ وفي أي هاوية نحن ملقون بحضارتنا وثقافتنا وديننا ودنيانا؟
وعودة إلى العقل. فعندما قام العالم بحشد قواه لشد الانتباه إلى المجاعة في أفريقيا، جاءت فكرته من قيم أخلاقية تجتمع البشرية حولها. وتفرج العالم العربي على شاشات التلفزة على المهرجان الموسيقي الذي عقد في أكبر عواصم العالم في آن واحد لجمع التبرعات لمحاربة الفقر في أفريقيا. وانتهى الحفل بجمع أكثر من 260 مليون دولار من التبرعات. كم كنت أتوق لمشاركة مجتمعاتنا في هذه المبادرة الحضارية.
لقد حولنا الوضع الشرس الجديد في العالم العربي والإسلامى إلى موقف الدفاع عن النفس والدين بأن نقوم في مواجهة هذا الشر بإطلاق تصريحات عقيمة دون أن يواكب ذلك فهم جديد للبيئة التي ترعرع فيها الإرهاب وخرجت منها أفكار الموت من أجل جهاد منقوص الأركان.