لا أحد يدرك المعنى الحقيقي لتفجيرات لندن التي حدثت يوم الخميس الماضي إلا الله وحده. هذه حقيقة ثابتة لا خلاف عليها، ولكن المحللين السياسيين حاروا وحيروا القراء وهم يذهبون ويجيئون بأسباب ومعاني هذه التفجيرات في الوقت الراهن، وهم إن أصابوا أو خابوا لم يضيفوا شيئاً أو يقدموا إجابات مقنعة خلال الأيام القليلة التي أعقبت التفجيرات.
ما حدث في لندن محير للغاية، وإن قلت إنه كان متوقعاً فسأكذب، ليس لأننا نعيش بسلام وهدوء في هذه المدينة التي تتعدد ثقافاتها بسبب وجود كم هائل من الأعراق والجنسيات والأديان فيها، بل لأن طبيعة وقع الحياة في لندن يبعدك عن توقع مثل هذه الأفعال المشينة بحق شعب طيب ودود رفض العنف والإرهاب ضد الأبرياء على الدوام، إلى أن تعرض له وذاق مرارته.
الحياة في لندن قبل التفجيرات بأيام قليلة كانت عادية للغاية، ولم نسمع أي تحذير من عمل إرهابي مرتقب أو متوقع، وأذكر أن آخر ما جاءنا من تحذيرات من أعمال إرهابية متوقعة في لندن كان منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر على الأقل، بعدها هدأت المدينة ولم يذكر أحد أي شيء عن هذه الأمور.
ولكن، يوم حصل ما حصل، وأعلنت جماعة إسلامية مسؤوليتها عن التفجيرات، شعرنا بالخوف، ليس على أنفسنا كمسلمين مقيمين في بريطانيا، بل على مستقبل المدينة التي لا تعرف العيش بعيداً عن التعددية الثقافية والدينية والحضارية التي تميزها، وتميز سكانها.
هذا الخوف لم يتبدد حتى اللحظة، ولا زلنا نعيشه يومياً بسبب قلة المقنع من التحليلات السياسية التي تتناول أسباب ودوافع هذه التفجيرات، ومعناها في الوقت الذي يعيش فيه البريطانيون قلق الوحدة الأوروبية والخلافات التي تعصف بعلاقات بلادهم مع بعض الدول الشقيقة، ومعضلات الخروج من أزمات داخلية تتعلق بقوانين الهجرة، والرعاية الصحية، والتعليم، والتعديل المرتقب على حكومة توني بلير.
سامي العميري- لندن