فيما تعمل إمارة أبوظبي حالياً على بلورة قانون يمهد الطريق لمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، من الممكن أن يسمح بإعطاء المستثمرين الأجانب حقوق ملكية تصل إلى نسبة 100%، هناك ضرورة ملحّة لإثارة النقاش والحوار حول الأهداف الحقيقية التي يمكن تحقيقها من الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي توظيف هذا القانون لخدمتها. فالذين يطالبون بضرورة تشجيع الاستثمار الأجنبي يرون أنه يلبي متطلبات أساسية للتنمية، منها الحاجة إلى المزيد من رؤوس الأموال، والعملات الأجنبية، والتكنولوجيا الحديثة، والكفاءات الإدارية الأجنبية، والأساليب التسويقية الحديثة، وخلق المزيد من فرص العمل في الدول المستضيفة لهذه الاستثمارات. بالنسبة للدول الفقيرة التي لا تفي صادراتها بمردود كافٍ من العملة الصعبة، يمثل الاستثمار الأجنبي لديها مصدراً مهماً للحصول على هذه العملة، أما بالنسبة إلى دولة الإمارات عموماً، وإمارة أبوظبي على وجه الخصوص، فإن العملة الصعبة لا تمثل مطلباً في حد ذاتها، بل إن هناك فائضاً ضخماً يفوق كثيراً حاجة الاقتصاد المحلي، حيث تجلى ذلك بوضوح في حجم الأموال التي اكتتب بها المساهمون في الشركات العامة الجديدة الست التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام خلال النصف الأول من هذا العام، والتي تجاوزت 1.1 تريليون درهم، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي لدولة الإمارات، فيما كانت الشركات الست التي بلغ إجمالي رؤوس أموالها 8.5 مليار درهم، تطلب تغطية مبلغ 4.6 مليار درهم فقط من الاكتتاب العام. كما أن واقع تجربة الإمارات مع الاستثمار الأجنبي يشير إلى أن أغلب رؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات الأجنبية داخل الدولة يتم الحصول عليها من خلال الاقتراض من البنوك التجارية والمؤسسات المالية المحلية. أما الدافع الثالث من تشجيع الاستثمارات الأجنبية المتمثل في مساهمتها في توظيف مزيد من القوى العاملة، فهو لا يخدم كثيراً دولة الإمارات، حيث يمثل الأجانب أكثر من 92% من مجموع العاملين لديها، وأكثر من 99% من العاملين في القطاع الخاص، الذي يتضمن أيضا المنشآت والشركات الأجنبية.
يمكن الاستنتاج من ذلك أن الدور الأساسي للاستثمارات الأجنبية في دولة الإمارات، يجب أن ينحصر في استقطاب وتوطين التكنولوجيا المتطورة. والمطلوب إذاً هو توظيف قانون الاستثمار الأجنبي الذي تبحثه أبوظبي حالياً لتحقيق مهمة محددة تتمثل في استقطاب استثمارات أجنبية نوعية تكمل وتدعم الاستثمارات المحلية، ولا تنافسها أو تحل محلها. ويتطلب ذلك بدوره منح الأولوية للاستثمارات التي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة، والخبرات المعرفية المتطورة، بحيث يضمن القانون الجديد آلية واضحة لتوطين هذه التكنولوجيا تدريجياً، وبما يتناسب مع البيئة الاقتصادية المحلية، كما يجب أن يشجع هذا القانون الصناعات الأجنبية الجديدة وغير المكررة التي تدعم وتنوع قاعدة الصناعة المحلية، والشركات الأجنبية العريقة في مجال التسويق العالمي للاستفادة من خبراتها وعلاقاتها الدولية في هذا المجال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية