بدون شك دخل السودان مرحلة جديدة في مسيرته، ربما كانت هي الأهم في تاريخه كدولة· فعلى مدى ستة أعوام قادمة، بدأت من أمس الأول، سيتحدد بدرجة كبيرة ما إذا كانت هذه الدولة العربية الأفريقية الضخمة التي عانت لأكثر من عقدين من حرب أهلية شرسة، تستطيع البقاء على ما كانت عليه قبل الدخول في نفق الصراعات والنزاعات المظلم· أو أنها ستهوي إلى حفرة سحيقة من التشرذم والتفتت·
لقد كان الاتفاق الذي بدأ العمل به للتو هو أشد ما يحتاج إليه السودان في هذا الوقت بالذات· فمن غيره، كان من المرجح بدرجة كبيرة أن ينفرط عقد البلاد سريعا، تحت وطأة كثير من الضغوط وعوامل التعرية السياسية التي تجمعت دفعة واحدة في الفترة الأخيرة وكانت الحرب الأهلية مجرد عامل محفز فيها·
والسودانيون، شماليون كانوا أم جنوبيين هم أكثر من يعرف ذلك· وربما هذا بالتحديد هو أكثر ما ساعدهم على اتخاذ قرار المضي قدما في الاتفاق·
والمفارقة أنه فيما تتهدد دول عريقة في المنطقة مخاطر التشرذم والتفكك لأسباب عدة، يمضي السودان في الطريق المعاكس·
فهل تكون التجربة السودانية القادمة حالة نجاح نادرة في المنطقة·؟ في الحقيقة يتوقف ذلك بدرجة كبيرة على إرادة السودانيين في الشمال والجنوب· ليس ذلك فحسب بل أيضا على مختلف قوى المعارضة التي كانت ولاتزال تقف على الجانب الآخر من الخط الذي تقف عليه الحكومة·
ويعني ذلك أن ثمة مسؤوليات جسيمة يتعين على جميع الأطراف الاضطلاع بها بكل أمانة، سواء السلطة - بشقيها القديم والجديد - أو الجماعات والأحزاب والكتل السياسية التي تقف خارجها· ومن شأن ذلك- إن حدث- أن يوفر القدر الأكبر مما يستلزمه نجاح التجربة·
وهي إن نجحت واختار الجنوبيون فعلا في نهاية الأعوام الست خيار الوحدة، فسوف تكون نموذجا يدحض ويبطل مفعول كثير من أطروحات حركات انفصالية تنشط الآن أو قد تنشط في مناطق أخرى من السودان·
بل لنقل بصراحة إن التجربة لو أتت بثمارها، قد تمثل نموذجا لتسوية النزاعات والصراعات في الشرق الأوسط ·· شريطة توفر أهم العناصر والأسس التي تهيأت للحالة السودانية ·· التدخل الدولي المكثف والرغبة الصادقة عند أطراف الصراع لحله·