إن أكثر الموضوعات إثارة للجدل في أروقة منظمة التجارة العالمية هي فكرة وضع معايير عالمية للعمل، تشمل العديد من المحاور، بينها حقوق حرية التجمّع النقابي للعمال والمباحثات الجماعية ومنع ممارسات التفرقة على أساس الجنس أو الجنسية. وفيما عظّمت العديد من الدول المتقدّمة من أهمية إيجاد معايير أساسية للعمل وإلزام جميع الدول الأعضاء بتطبيقها، فإن دول الخليج العربية عموماً ترفض بشدة هذه الفكرة، لأسباب عديدة ترتبط بطبيعة اقتصاداتها والمعايير التي تحكم أسواق العمل المحلية فيها.
ولكن من خلال الجهود التي تقوم بها منظمة العمل الدولية والمنظمات العمالية الأخرى، فإن وضع معايير عمالية للعمل يزداد أهمية يوماً بعد يوم. بالنسبة إلى دولة الإمارات، كما هو الحال بالنسبة إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عموما، تأخذ قضية وضع معايير دولية للعمل بعداً آخر, بحكم اعتمادها الكبير على العمالة الوافدة. كما أن هذه القضية إذا ما أصبحت واقعاً لابدّ منه ستكون لها انعكاساتها السلبية المباشرة، ليس على هيكل الاقتصاد الوطني فحسب، بل ستمتد إلى النسيج الاجتماعي والثقافي والأمني للدولة. ومن هذا المنطلق يجب أن يتم التعامل مع هذه القضية في ضوء المعطيات التالية: أولاً: ستتعرض جهود توطين سوق العمل إلى الانهيار التام، في ظل معايير العمل الدولية، حيث إن هذه المعايير تطالب بالمساواة بين العمالة المواطنة والوافدة في فرص التوظيف والأجور والتعويضات وجميع ظروف العمل.
ثانياً: إن السماح بتكوين الاتحادات العمالية وجماعات الضغط وفقا للمعايير الأساسية للعمل هو في الواقع تكوين لمؤسسات سياسية واجتماعية جديدة لا تتناسب مع اقتصاد دولة الإمارات، خاصة في المرحلة الراهنة. كما أن ممارسات هذه المؤسسات قد تصرف الانتباه والاهتمام عن قضايا استراتيجية مهمّة، مثل تنمية الموارد البشرية، وقد تعوق إجراءات صنع القرار الاقتصادي والأمني والسياسي إلى حدّ كبير. ثالثاً: بما أن التركيبة المؤسسية للاقتصاد الوطني غير مهيأة حالياً للتعامل مع المعايير العالمية للعمل، فإن الدولة ستتكلف نفقات باهظة لتهيئة الاقتصاد الوطني للتعامل مع المعطيات الجديدة في سوق العمل، وأن هذه التكاليف ذات طبيعة مباشرة وغير مباشرة، نظراً لأهمية الآثار التوزيعية المصاحبة لعملية تطبيق المعايير الأساسية للعمل. رابعاً: سيؤدي تحديد الحدّ الأدنى للأجور وساعات العمل، كأهم المحاور التي تناور حولها جماعات الضغط العمالية، إلى ارتفاع كبير في تكاليف العمل، وهذا بدوره سيؤثر سلباً في القدرة التنافسية بالنسبة إلى العديد من الأنشطة الاقتصادية المحلية التي بنيت في الأساس على معطيات العمالة الرخيصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية