يحتدم في الوقت الراهن جدل كبير يدور في أميركا حول احتجاز السجناء الأجانب في خليج جوانتانامو في كوبا. وكانت إدارة بوش قد قررت منذ ثلاث سنوات استخدام القاعدة العسكرية الأميركية في جوانتانامو كمعتقل يتم فيه احتجاز الأجانب المشتبه في تورطهم في الإرهاب، والذين تم اعتقال العدد الأكبر منهم في أفغانستان وباكستان، أثناء الهجوم العسكري الذي شنته الولايات المتحدة ضد نظام طالبان. في البداية لم يهتم الجمهور الأميركي كثيراً لاحتجاز المشتبه فيهم من الأجانب هناك، ولكن بمرور الوقت، بدأت أعداد متزايدة من الناس في انتقاد ذلك الإجراء.
وعدم الرضا الذي يشعر به الأميركيون تجاه معتقل جوانتانامو، يتركز حول عدة مسائل، تحاول إدارة بوش- في إطار سعيها للدفاع عن المعتقل ومواجهة الانتقادات الموجهة إليها - إنكارها.
من بين تلك التهم إساءة معاملة المساجين. ويستند منتقدو الإدارة في توجيه تلك التهمة على نص تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي ينسب إلى المحققين قولهم إنهم قد وجدوا المساجين مقيدين إلى الأرض بسلاسل، دون أن تكون لديهم كراسي ولا طعام ولا ماء. واستشهدت مجلة "تايم" بتقرير آخر جاء فيه أن مواطناً سعودياً يدعى محمد القحطاني، وهو من المشتبه في تورطهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، قد تعرض لمعاملة مذلة وقاسية خلال جلسات التحقيق التي كانت تجري معه والتي كانت تستغرق وقتاً طويلا للغاية. كما كتب الصحفي "أنطوني لويس" المعروف برصانته مقالا في الحادي والعشرين من يونيو في صحيفة "النيويورك تايمز" قال فيه إن معاملة السجناء في معتقل جوانتانامو، تعتبر خرقاً لمعاهدة جنيف ومعاهدة الأمم المتحدة ضد التعذيب، وكذلك للقانون المعروف باسم "القانون الموحد للعدالة العسكرية" وهو قانون أميركي.
وقد أثار السيناتور "ريتشارد ديربين" من الحزب الديمقراطي المعارض ضجة بعد تصريح أدلى به في منتصف شهر يونيو، قال فيه إن إساءة المعاملة الأميركية لسجناء معتقل جوانتانامو، تماثل الطرائق النازية والسوفيتية التي كانت تستخدم في معاملة المعتقلين، والتي كانت "لا تقيم وزنا للبشر". وكان رد فعل سياسيي الحزب الجمهوري وغيرهم من المؤيدين للرئيس بوش على ذلك قوياً حيث رفضوا ذلك الاتهام، وقالوا إن خطاب السيناتور "ديربين" يمثل "هجوماً شائناً على العسكرية الأميركية".
ونظراً لأن العسكريين الأميركيين كانوا هم المسؤولين عن جوانتانامو، ونظراً لأن الأغلبية الساحقة من الأميركيين يؤيدون مؤسستهم العسكرية، حتى وهم يوجهون الانتقادات للرئيس بوش، فإن مثل هذا الهجوم على السيناتور "ديربين" كان لابد أن يكون مؤثرا. فبعد عدة أيام على تصريحه المذكور خرج السيناتور ديربين ليقدم اعتذاراً علنياً عما ورد فيه.
بيد أن ذلك لم ينهِ الجدل الدائر. فالذي حدث هو أن سيناتوراً آخر هو "ليندساي جراهام" تحدث من جانبه هو الآخر بصراحة حول الموضوع، وقال إنه يشعر بالقلق الشديد بشأن التقارير الخاصة بإساءة معاملة السجناء في جوانتانامو. وقد مثل ذلك تطوراً مهماً إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن جراهام يعتبر عضواً بارزاً في الحزب الجمهوري، وأن حديثه يدل على أن هناك انزعاجاً متنامياً - حتى بين الجمهوريين أنفسهم- بسبب الوضع في جوانتانامو.
وقد حاولت إدارة بوش التصدي للانتقادات الموجهة إليها بالقول إنها تشتبه في أن السجناء يمتلكون معلومات استخبارية مهمة، وأن التحقيقات التي كانت تجريها هناك هي جزء من الحرب على الإرهاب. وقد رد المنتقدون على ذلك بالقول إن معظم السجناء قد تم القبض عليهم منذ عامين أو ثلاثة أعوام، وبالتالي فإن أي معلومات موجودة لديهم بشأن الخطط المستقبلية للإرهابيين قد أصبحت قديمة. علاوة على ذلك فإن المحققين المحترفين، يعرفون أن المعاملة شديدة القسوة لا تؤدي عادة إلى الحصول على معلومات دقيقة، لأن السجناء يجدون أنفسهم مضطرين في تلك الحالة لقول أي شيء للتخلص من التعذيب والهروب من العقاب، وأن الوقت قد حان بالتالي للإفراج عن المعتقلين.
وقد رد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد على ذلك بالقول إنه لا يمكن الإفراج عن المعتقلين، لأنهم أشخاص على جانب كبير من الخطورة، ولأنهم لن يترددوا عن مهاجمة الأميركيين مرة ثانية، إذا ما أطلق سراحهم. ويرد المنتقدون على دعاوى رامسفيلد بالقول إن مسألة تقرير ما إذا كان مثل هؤلاء الأشخاص خطيرين على المجتمع أو غير خطيرين، تقع على عاتق القضاة، وأنه يجب لذلك تقديهم للعدالة، كي يخضعوا لمحاكمة مثلهم في ذلك مثل أي شخص متهم في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن مسؤولي إدارة بوش يقولون إن هؤلاء الأشخاص ليس لهم حق المحاكمة، لأنه قد قبض عليهم خارج الولايات المتحدة، كما أنه يتم احتجازهم الآن خارجها - على الأراضي الكوبية- وبالتالي فإنه ليس لهم أي حقوق.
أما بالنسبة لاتفاقية جنيف، فإن إدارة بوش تقول إن السجناء هم "مقاتلون تابعون للعدو" وليسوا مجرمين عاديين ولا أسرى حرب. في نفس الوقت ادعى المسؤولون الأميرك