ربما بدت كما لو كانت همسة ترن في أرجاء منطقة الشرق الأوسط, غير أنها سرعان ما ستعلو وتعلو وتعلو. المقصود بهذه الهمسة, صوت النساء المسلمات في الشرق الأوسط, وعلو نبرة احتجاجهن على دونية وضعيتهن السياسية والاقتصادية في مجتمعاتهن, مقارنة بمكانة أقرانهن الذكور. ولذلك فقد ارتفع مؤخراً, صوت المرأة المسلمة التي طالما عانت التهميش والقهر, في المجتمعات التقليدية الذكورية الشرق أوسطية. وما هي إلا أيام فحسب, حتى علا الصوت من حناجر النساء المصريات, اللائي عبرن عن احتجاجهن ضد المضايقات التي يسببها لهن أنصار الحزب الحاكم هناك. كما ارتفع صوت الاحتجاج نفسه في إيران, وإن جاء هذه المرة, ضد التمييز الممارس ضد نساء الجمهورية الإسلامية, على رغم انتخاب المتشدد المحافظ أحمدي نجاد رئيساً للبلاد. بل علا الصوت نفسه في المملكة العربية السعودية, عندما أبدت النساء هناك, موافقتهن على شجب وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس, لرفض النظام الحاكم إعطاء النساء السعوديات, حقهن في التصويت والترشيح والانتخاب.
وفي الكويت أيضاً ارتفع صوت النساء عند احتفاء وتصفيق ناشطات حقوق المرأة الكويتية, لتعيين معصومة المبارك كأول وزيرة كويتية في تاريخ ذلك البلد, مقابل مشاعر الاستهجان والأسف, التي أبداها المحافظون التقليديون. يذكر أن معصومة المبارك, تعمل أستاذة للعلوم السياسية بالجامعة.
وفي باكستان علا صوت النساء, عندما احتجت مختار مي, على محاولات حكومة بلادها إخراس صوتها ضد عادة بربرية قديمة تتبع ضد النساء, ألا وهي تعريض فتاة شابة للاغتصاب الجماعي, عقاباً لها على جريمة شرف ارتكبها أخوها, وهي العادة التي تنتهي دائماً بدفع الضحية إلى الانتحار, تحت وطأة الشعور بعار وذل الاغتصاب. والمعلوم أن وضعية المرأة في معظم المجتمعات المسلمة هي الدونية والحرمان من الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبين كل اثنتين من النساء العربيات, تجهل إحداهن القراءة والكتابة. ووفقاً لما جاء في تقرير الأمم المتحدة عن "التنمية البشرية" لعام 2002, الذي أعدته للمنظمة الدولية, نخبة من المفكرين والمثقفين العرب, فإن "استخدام القدرات النسائية عبر المشاركة السياسية والاقتصادية, يظل الأدنى من نوعه في العالم كله". فالنساء لا يحظين إلا بنسبة 3.5 في المئة بين كافة مقاعد البرلمانات العربية, مقارنة بنسبة 11 في المئة في دول جنوب الصحراء الإفريقية, و12.9 في المئة في دول أميركا اللاتينية والدول الكاريبية!
وفي الكثير من الدول العربية, تعاني النساء من مشكلة التمييز وعدم معاملتهن على قدم المساواة مع أقرانهن الذكور, فيما يتصل بحقوق المواطنة, التي منها حرمانهن من حق التصويت والانتخاب والترشح لتولي المناصب السياسية. وفي استنتاج مؤسف قال التقرير: "إن المجتمع بأسره يعاني حين يشل نصفه السياسي المنتج ويتم تعطيله". والرسالة المهمة الطاغية على حركة الاحتجاج هذه, ارتفاع صوت المرأة العربية, ضد الهيمنة الذكورية, وقولها إن الوقت قد حان لتغيير هذا الواقع غير المنصف, القائم على التمييز الجنسي بين النوعين.
ففي مصر تعززت حركة الاحتجاج النسوي, جراء الهجمات التي تعرضت لها من قبل مؤيدي وأنصار الرئيس حسني مبارك, بالنظر إلى نشاط النساء المصريات في تنظيم حركة المعارضة, والاحتجاج على استمرار النظام القائم هناك. يذكر أن الرئيس حسني مبارك كان قد أعلن في وقت مبكر من هذا العام, جملة من الإصلاحات السياسية, وعدت بكفالة تعدد المرشحين لمنصب الرئاسة. غير أن من رأي المنتقدين, أن كل تلك الوعود لم تكن سوى ذر للرماد في العيون, ومحاولة للتعمية والتغطية على إعادة انتخاب مبارك. والدليل في رأيهم الترهيب والتهديد اللذين يتعرض لهما أولئك الجادون في معارضتهم, وسعيهم لبناء مؤسسات وتنظيمات حقيقية للمعارضة. ومن رأي المنتقدين أيضاً, أن بعض ذلك التهديد والترهيب, يتمثل في مضايقة النساء المعارضات, وابتزاز أقارب الساسة المعارضين الذكور منهم.
أما في إيران, فقد شاركت النساء في مظاهرات احتجاجية متفرقة وغير مرخص بها, ضد التمييز الممارس في الجمهورية الإسلامية بين الجنسين. فوفقاً للقانون المعمول به في إيران, لا يجوز للمرأة تولي مناصب قيادية في المجتمع أو الجهاز الحكومي. كما لابد لهن من الحصول على إذن أزواجهن, لمزاولة العمل خارج المنزل أو للسفر إلى خارج البلاد. وعلى الرغم من اليأس الذي تشعر به النساء الإيرانيات إزاء أي وعود بالإصلاح والتغيير في أوضاعهن, إلا أنهن أدلين بأصواتهن, لصالح مرشح لا يتوقع له إلا أن يقدم خدمة شفهية مجانية, لما يتعلق بحفز حقوق النساء وتقدمهن.
أما في الدولة الإسلامية المجاورة باكستان, فقد خاضت مختار مي, معركة تحد شرس للتقاليد العشائرية القبلية السائدة في مجتمعها. وبدلاً من انتحارها إثر تعرضها لجريمة الاغتصاب الجماعي –حسبما سرت العادة- فقد كافحت من أجل تقديم الجناة إلى العدالة, ونيل نصيبهم من العقوبة على ما ارتكبوه بحقها. والجيد في