يعتبر العمل الاجتماعي من أهم دعائم المجتمع المدني الذي يسعى إلى خدمة الأفراد بأسلوب راقٍ يتحدد خلاله حجم العطاء المخلص. ففي المجتمعات المتقدمة يعتبر العمل التطوعي بمثابة رأس مال اجتماعي لا يقل أهمية عن أي رأس مال مادي بمفهوم الاقتصاد الذي يعتمد على سيولة الأوراق المالية والمشاريع الضخمة التي تصب في النهاية لصالح رأس المال الاجتماعي.
وفي دولة الإمارات لدينا مؤسسات اجتماعية رائدة تقوم بهذا الدور لأداء مهامها المجتمعية كجزء من ضريبة خدمة الوطن. فكلما كانت مساهمة العناصر البشرية عالية في أروقة تلك المؤسسات فإن حصيلة المجتمع في تمدنه تكون أكثر عمقاً في الأثر.
فالمجتمعات الحديثة تسعى دائماً إلى توسعة دائرة العمل الاجتماعي لإعطاء المزيد من الحريات في ممارسة ومشاركة المجتمع همومه ومشكلاته، فلا نستغرب عندما نسمع عن إنشاء جمعيات نفع عام نوعية إلى درجة التفريخ أحياناً وذلك مواكبة لعصر التخصصات الدقيقة في كل شأن مجتمعي. فما المانع أن نجد في مجتمعنا, جمعية لكل حقول المعرفة الدقيقة وذلك خدمة لهذا النوع من الجمهور قليل العدد. فعمله النوعي يشفع لبقائه نوعاً مميزاً بدل أن يكون رقماً مضخماً، فلابد من النظر إلى العمل الاجتماعي على أساس أنه رافد قوي لدعم عناصر البناء الاجتماعي ومساهم فاعل لتعزيز أواصر التنمية الشاملة.
هذا ما يعطي العمل قيمة مضافة مقارنة بالأعمال المؤسسية الأخرى التي تعتمد فقط على الربحية العالية في الجانب المادي. فإثراء الجانب الاجتماعي في المجتمع صمام الأمان أمام اهتزازات رأس المال المادي وهو عنصر التوازن المهم في تقلبات الزمن.
ما ذكرناه هو ما ينبغي التمسك به. وللاستمرار في هذا النهج بالدولة فإننا نرى أن مظلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية معنية بإعطاء المزيد من قوة الدفع لهذه الجمعيات, إلا أنها غائبة حالياً عن أداء الدور الجوهري، ويقتصر دورها فقط على مراقبة التقارير الأدبية والمالية والتأكد من الالتزام الحرفي أو النصي باللوائح والقوانين والتي هي في الغالب من القضايا الروتينية التي تحرص كل جمعيات النفع العام على عدم مخالفتها, وإلا كانت عرضة لسيل من الرسائل التي تتوعد بقطع المعونة المالية عنها أو تأخيرها لحين إتمام كافة الإجراءات المطلوبة منها. هذا وهناك جهود تطوعية تبذل ولا تنتظر من مظلتها الشرعية رسالة شكر تعبر عن تقديرها ودعمها لمواصلة الهمم العالية في عطائها البعيد عن حب السمعة أو الشهرة, لأنه لا ناقة للعاملين في هذا المجال إلا خدمة المصلحة الاجتماعية للوطن. ومع ذلك كله فإن العمل الاجتماعي التطوعي بحاجة إلى المزيد من الرعاية الخاصة المعنوية والمادية من قبل الدولة. وبات ضرورياً عقد مؤتمر عام يضم كافة جمعيات النفع العام للتباحث حول ما وصل إليه حال هذه الجمعيات والتحديات التي تواجهها والمعوقات التي يجب على الوزارة المعنية أن تزيلها. كذلك وضع الوزارة المعنية يدها بيد القائمين على شأن هذه الجمعيات وتشكيل وحدة تنسيقية للتوصل إلى حلول عملية لضخ دماء جديدة في عروق الجمعيات.
آن الوقت لقيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عهدها الجديد بتبني مثل هذا المؤتمر المقترح من أجل الصالح العام أولاً وأخيراً. وكما أن هناك توجهات مستحدثة بدأت تفرض نفسها على قطاع العمل بالدولة, فإن لقطاع الشؤون الاجتماعية حقاً من ذلك التغيير ولكن بالتعاون مع الميدان الفعلي للعمل الاجتماعي الذي هو بحاجة ماسة إلى الدعم الكامل من أجل تطويره وتحسين أدائه المجتمعي. فهل نجد لهذا الصوت الخافت من مستجيب؟.