الاعتراف الأميركي الأخير بحقيقة المفاوضات التي تجريها الإدارة الأميركية مع المقاومة العراقية والتي أعلن عنها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد تكشف لنا بوضوح حجم المأزق الذي يعاني منه الاحتلال الأميركي في العراق. وما يحدث الآن للقوات الأميركية في العراق على يد المقاومة العراقية لا يختلف أبداً عما حدث للقوات الأميركية في فيتنام قبل الهزيمة والانسحاب، والمؤشرات على هذا الأمر كثيرة أهمها:
1 - القبول بالحوار مع المقاومة العراقية، والاعتراف بها رسمياً بعد أن كانت توصف في قاموس الخطاب الأميركي على أنها مجرد عصابات إرهابية.
2 - خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش في قاعدة "فورت براغ" العسكرية بولاية كارولاينا الذي وصف فيه الوضع في العراق بأنه صعب، ورغم ذلك أصر على أن الحرب على العراق سوف تستمر، وأن هذه الحرب تستحق كل هذا القتل، وهذا يشبه تماماً في تقدير الكثير من المحللين الخطاب الذي تحدث به الرئيس الأميركي جونسون عام 1968 والذي انتهى بعد ذلك بهزيمة أميركا في فيتنام.
3 - اعتراف الجنرال جون أبي زيد رئيس القيادة المركزية في الجيوش الأميركية بصراحة أمام لجان مجلس الكونجرس بأن عمليات المقاومة المسلحة في العراق لم تضعف وأن القوات الأميركية واجهت في الشهور الستة الماضية مقاومة وأن المقاومة تزداد شرارة.
4 - الخسائر البشرية من القتلى والجرحى والمصابين الأميركيين والتي وصلت إلى أرقام قد تفوق الأرقام التي يعلن عنها حيث تشير بعض التقديرات والتحليلات إلى أنها قد تصل الى أكثر من 26 ألفاً.
5 - الخسائر المادية والتي وصلت حتى الآن إلى 250 ألف مليار دولار والتي قد تصل حسب تقدير البروفيسور البريطاني كيث هارتلي مدير مركز اقتصاديات الدفاع بجامعة يورك إلى 1.25 تريليون دولار بعد أقل من خمس سنوات.
6 - تصاعد الهجمات ضد القوات الأميركية والتي وصلت في شهر يونيو الماضي إلى 3490 هجوماً حسب ما جاء في دراسة الخبير الاستراتيجي الأميركي أنتوني كوردسمان.
7 - تقلص نسبة التجنيد في صفوف الجيش الأميركي إلى 25%.
8 - فشل جميع المحاولات التي كانت تهدف إلى تشويه صورة المقاومة العراقية الوطنية وتصويرها على أنها مجرد عمليات إرهابية.
9 - التحول الكبير في اتجاهات الرأي العام الأميركي الذي بدأ يطالب بالانسحاب الفوري من العراق.
10 - الأصوات العالية التي بدأت تظهر في الكونجرس والحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي والتي أصبحت تطالب بالانسحاب من العراق, وأهمها ما قاله المرشح السابق للرئاسة الأميركية السيناتور جون كيري: لقد تأخر الوقت على إصلاح الأمور في العراق والإدارة الأميركية سوف تتعرض إلى كارثة محققة. الأمر المؤكد الآن أن هذا الفشل الأميركي الذي أصبح يقارب صورة الهزيمة المشابهة لما حدث للقوات الأميركية في فيتنام لم يحدث بالصدفة بل إن هناك العديد من العوامل والمؤشرات التي لعبت دوراً مهماً في هذا الإخفاق أهمها:
1 - استهانة أميركا بالعرب والمسلمين والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والغضب العالمي الذي كان يرفض رفضاً شديداً قرار الحرب على العراق.
2 - الإقدام على غزو العراق دون خطة استراتيجية واضحة ودون معرفة دقيقة بجذور الشعب العراقي وهذا واضح تماماً في حديث صبحي عبدالحميد وزير الخارجية العراقي الأسبق والذي لخص هذا الأمر قائلاً: إن الأميركيين لم يأتوا بخطة صحيحة لما بعد احتلال العراق. كان اتصالهم فقط بعملائهم الذين كانوا في لندن وواشنطن والذين يحكمون العراق الآن والذين أعطوا لهم فكرة خاطئة عن حقيقة الوضع، لذلك عندما دخلوا العراق أهملوا الجهات العراقية الموجودة في الداخل واعتمدوا على الشخصيات العميلة التي كانت معهم في الخارج, ونصبوهم أعضاء في مجلس الحكم وفي الوزارات ولم يتصلوا بأي جهة وطنية. وأخطر ما فعلوه أنهم بنوا البلد على أساس المحاصصة الطائفية والعنصرية. وقد شعر الأميركيون الآن أن المقاومة أخذت تؤثر بهم وأصبحوا يبحثون عن مخرج ينفذهم من المأزق الذي يعيشون فيه.
وهذا ما حدث بالفعل لكل الدول والأمم والإمبراطوريات التي وصلت إلى مرحلة الغرور والتكبر والجبروت والتي أصبحت في نهاية الأمر تبحث عن حل يخرجها من المأزق وينقذها من السقوط.