ثمة شبح ما يمسك بتلابييب العالم اليوم, إنه شبح الإرهاب. يخافه العالم تماماً مثلما ارتعب العالم القديم من خرافة الشيطان. وفي سبيل مكافحة الإرهاب, لجأت الحكومات إلى مضاعفة نظم الرقابة الأمنية, وتشديد الرقابة على المنافذ الحدودية, بل والسعي إلى تبرير التعذيب والحبس والاعتقال التحفظي, وصولاً إلى تبرير توجيه الضربات الاستباقية ضد الدول المشتبه بعلاقتها أو رعايتها للإرهاب. الاستجابة الرسمية لهذا الخطر, غير ملائمة, لكونها تجرف الحريات والحقوق المدنية الأساسية للمدنيين, وتسيء للقيم والمبادئ الديمقراطية نفسها, علاوة على مبالغتها ومغالاتها في التشدد والتطرف الأمنيين. ومن رأي جوانا بروك مؤلفة هذا الكتاب, جاءت تلك الاستجابة فيما يشبه مطالبة المواطنين رسمياً, بارتداء الخوذات الحديدية, حرصاً على حماية رؤوسهم من شهب "الإرهاب".
وترد المؤلفة هذه الموجة من إشاعة الذعر العام في نفوس المواطنين من خطر الإرهاب, إلى أن هناك العديد من الفئات والدوائر الاجتماعية, ذات مصلحة مباشرة في هذه الموجة. فهناك الساسة والصحفيون والأطباء النفسيون والعقليون, والقساوسة ورجال الدين, والجواسيس وما إليهم, ممن تجمعهم مكاسب ومصلحة في الاتجار بسلعة الذعر هذه, والترويج لها. إلى ذلك أشارت الكاتبة إلى أن عدد الضحايا القتلى الأميركيين من جراء جرائم الإرهاب, لم يزد طوال السنوات الممتدة بين 1980-1985 على 17 قتيلاً, إلى جانب ضحايا إطلاق وتبادل النار في الشوارع, وغيرها من الجرائم المماثلة. غير أن صحيفة "نيويورك تايمز" وحدها, واصلت خلال الفترة المذكورة, نشر ما معدله أربع قصص يومياً عن الإرهاب, في كل واحد من أعدادها الصادرة وقتئذ.
وفي عام 1980, ضاعفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية, توقعاتها لحوادث وجرائم الإرهاب, التي تطال حياة ومصالح الأميركيين خلال العشر سنوات المقبلة أكثر من مرة, وذلك عن طريق تلفيقها للمخاطر والتهديدات الإرهابية المفتعلة. ليس ذلك فحسب, بل لم يكن في دعوة الرئيس الحالي جورج بوش, لهجمات "الجمرة الخبيثة" التي تعرضت لها عدة مدن أميركية في عام 2001, بأنها "الموجة الثانية من الإرهاب", سوى زرع الخوف والرعب في قلوب الأميركيين, لمجرد الرعب نفسه, لا أكثر. يذكر بهذه المناسبة أن المؤلفة كانت قد شرعت في كتابها هذا, قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ومع ذلك فقد عمدت إلى تسمية هذه الظاهرة في مقدمة الكتاب بأنها "حالة تشخص على أنها مرض مهدد للحياة". وبالطبع فإن للسياق أهمية كبيرة, طالما أن الهدف الذي تسعى للكتابة عنه, يتمثل في تحليل ودراسة ظاهرة الرعب من المهددات الداخلية والخارجية – الحقيقية منها والمتوهمة على حد سواء- خلال القرنين الماضيين من تاريخ البشرية.
وخلافاً للكتب السياسية الشائعة السهلة في تحليلها لظاهرة الخوف من الإرهاب الدولي, فهذا كتاب سيكولوجي متخصص في دراسة وتحليل ظاهرة الخوف عموماً. فعلى سبيل المثال, يتناول الفصل الأول من الكتاب الجانب العاطفي من ظاهرة الخوف من الموت, وذلك بدراسة التحولات السيكولوجية والعاطفية التي طرأت على خوف البشر من الموت, عن طريق تحليل ما كتب عنه. ولنذكر بهذه المناسبة أن تسمية الكتاب نفسها, تعكس الوجه الثقافي من تاريخ الخوف. وللمؤلفة رأي جدير بالوقوف عنده وتأمله, فيما يتصل بالاستنتاجات الرئيسية التي تخلص إليها من خلال التحليل. ونعني بذلك ردها للتحولات النفسية والثقافية التي طرأت على "بيئة الخوف" إن صح التعبير, إلى سيادة العلم وتفوقه على الإيمان في عالمنا المعاصر, الذي تعود جذوره إلى القرنين الماضيين على وجه التحديد. كما يلفت النظر تفسيرها للتحولات التي طرأت على "سيكولوجية الخوف" بأن "العفاريت" كفت عن أن تكون مصدراً لخوف البشر, خلال القرنين اللذين يغطيهما الكتاب, وحلت محلها العمليات المعقدة التي تجرى في دماغ الإنسان وجهازه العصبي. أي أن هذه العمليات هي التي أصبحت مصدراً أو مثيراً معاصراً لمشاعر الخوف لدى البشر. وفيما مضى, كان رجال الدين في العصر الفيكتوري, يتطلعون إلى أن يكونوا في حالة من الوعي, لدى مفارقة أحدهم للحياة, كي يتمكن من تطهير روحه مما ارتكبته من معاص وآثام. أما اليوم, فقد حل الخوف من الألم, محل الخوف من الرب, إلى درجة أصبحت فيها أفضل حالات الموت المريح للأفراد, هي عندما يفارق أحدهم الحياة, تحت تأثير العقاقير والأدوية المخدرة, سواء كان ذلك في المستشفيات أو المصحات والمراكز العلاجية.
وفيما مضى, كانت سيكولوجية البشر, تفسر الكوارث الطبيعية التي تصيب المجتمعات, مثل الطاعون والأمراض الفتاكة والزلازل والفيضانات والحرائق وما إليها, على أنها نوع من العقوبة الإلهية للبشر. أما اليوم فقد اختلف التفسير العقلاني والنفسي لمثل هذه الظواهر, وساد الاعتقاد العلمي بأنه في الإمكان تفاديها بواسطة جهود المهندسين والمعماريين والأطباء وغيرهم. بيد أن العلم وعلى رغم ما أحرزه من تقدم, استطاع أن يجدد بعض المخاوف والتفسيرات القدي