استطاع القطاع الصناعي في الإمارات أن يحتل خلال فترة وجيزة مكانة مهمّة بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، فيما يعتبر انعكاساً لمجمل السياسات الهادفة إلى إقامة قاعدة صناعية متنوعة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل القومي، وسدّ نسبة من حجم الاستهلاك المحلي من المنتجات الوطنية، مع إيجاد فرص للتصدير من خلال تشجيع إقامة صناعات قادرة على المنافسة العالمية. إلا أن الخوض في تفاصيل هذا القطاع يعكس ملاحظات مهمّة، منها أن الصناعات الغذائية لا تواكب الزخم الذي يسير عليه القطاع الصناعي بأكمله، رغم أهمية هذا القطاع الاستراتيجي ودوره في تحقيق الأمن الغذائي والصحي للمجتمع، ورغم النمو المطّرد في حجم الاستهلاك الغذائي داخل الدولة. إن ازدياد معدلات نمو السكان في دولة الإمارات بنسبة تزيد على ضعف معدل النمو العالمي، أسهم بصورة أساسية في رفع مستوى العجز السنوي المتنامي في ميزان السلع والمنتجات الغذائية، الذي نما بما يزيد على 50% خلال الفترة منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن.
كما تشير العديد من الدراسات، والاستطلاعات الميدانية، إلى أن ما يقرب من ربع دخل الفرد في الإمارات، يُنفق على المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها خلال العام الماضي وحده بمعدل 3% تقريبا. وقد يؤدي الاستمرار في استيراد المواد الغذائية بالمعدلات الحالية إلى استمرار العجز في الميزان التجاري للسلع الزراعية والغذائية لسنوات طويلة مقبلة. وما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة لردم هذه الفجوة، من خلال خطط واستراتيجيات تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي، فإن حجم الاستيراد المتنامي للمواد الغذائية من الخارج يمكن أن يسبب مشكلة حقيقية لميزان التجارة الخارجية مستقبلا. فالصناعات الغذائية، وما تلعبه من دور مهم في ردم الفجوة الغذائية، تتطلب اهتماما على أعلى المستويات، بما يعزز من إسهامها في أسس ومقومات الأمن الغذائي بمفهومه الشامل، استعداداً لحقبة ما بعد التحرير العالمي لحركة السلع والمنتجات الغذائية. وهذه الصناعات لا تزال تواجه العديد من التحديات, أهمها أن أغلبية المصانع تستورد احتياجاتها من المواد الخام الغذائية، من الأسواق الخارجية، حيث يمثل الارتفاع في أسعارها أحد العوائق التي تواجه هذه الصناعة، خاصة في المنافسة الضارة من قبل بعض الشركات الأجنبية التي تصل في بعض الأحيان إلى حد إغراق السوق المحلية بمواد غذائية بأسعار تقل في بعض الحالات عن أسعار بيعها في بلد المنشأ، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد منافسة غير متكافئة في السوق المحلية، حتى أن هذه الظاهرة أصبحت تلفت انتباه المستهلك العادي في كثير من القطاعات الغذائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية