أدانت منظمة العفو الدولية مؤخرا "جرائم الحرب في العراق، والأدلة المتزايدة على ممارسة التعذيب وسوء معاملة المعتقلين المحتجزين لدى الولايات المتحدة في دول أخرى...". وقد صرحت المنظمة بأن الولايات المتحدة أصبحت بسبب قوتها وطول يدها تشكل "تهديداً عالمياً على الأمن وسيادة القانون". وقد رفض بوش في مؤتمر صحفي عقد في 31 مايو من نفس السنة اتهامات منظمة العفو الدولية ونعتها على أنها "سخيفة" وقال إن تلك الاتهامات أصدرها "أناس كانوا محتجزين، وهم يكرهون أميركا، كما أنهم دربوا على إخفاء الحقائق- بما يعني عدم قول الحقيقة". وبصرف النظر عما نطق به بوش من حشو وإطناب فإن مجرد إنكاره لسجل إدارته في التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين يعد في حد ذاته ضرباً من العبث في ظل الوثائق الصادرة عن إدارته نفسها والتي تؤكد سياستها الثابتة في تجاهل القانون الدولي والمعايير المتفق عليها لحقوق الإنسان. وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في 16 مارس من السنة الجارية عن وثائق تشير إلى أن ما لا يقل عن 26 معتقلا لقوا حتفهم في السجون الأميركية بالعراق وأفغانستان فيما وصفه الجيش بأعمال إجرامية. وفي 17 مارس أعلن بورتر جروس مدير الاستخبارات المركزية في جلسة استماع أمام أعضاء الكونجرس بأنه لا يستطيع إعطاء ضمانات بأن أساليب الاستنطاق التي تستعملها وكالة الاستخبارات المركزية منذ 11 سبتمبر 2001 تتقيد بالقانون الفيدرالي الذي يحرم ممارسة التعذيب.
ويبدو أنه حتى في ظل ذلك القانون الفيدرالي يجري تجاهل سافر لمبدأ المحاسبة حيث كشفت في هذا الاتجاه صحيفة "نيويورك تايمز" في 26 مارس أنه بالرغم من توصيات المحققين في الجيش، إلا أن القادة العسكريين استنكفوا عن محاكمة 17 جندياً أميركياً ممن تورطوا في موت المعتقلين في العراق وأفغانستان. وبالرغم من تأكيد إدارة بوش المتواصل على أن كبار قادة الجيش الأميركي لم يجيزوا ممارسة التعذيب وإساءة المعاملة، إلا أن الوثائق الصادرة من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أشارت إلى وجود روايات مختلفة للأحداث. ومن بين تلك الوثائق ظهور مذكرة ترجع إلى تاريخ 14 سبتمبر 2003 وموقعة من قبل الليوتنانت جنرال ريكاردو سانشيز أكبر ضابط أميركي في العراق تبيح أساليب استنطاق تتجاوز ما هو موجود في الكتيبات التي توزع على المحققين وتخرق بشكل واضح معاهدة جنيف لأسرى الحرب.
ويزعم البيت الأبيض أن التقرير الإخباري الذي نشرته مجلة "نيوزويك" عن تدنيس المصحف أساء إلى صورة الولايات المتحدة في الخارج. وفي الواقع بدأت التقارير تتوالى عن حدوث أعمال التدنيس تلك منذ 6 مارس 2003 في "واشنطن بوست" وظهرت تقارير أخرى بنفس المعنى في كل من "فايننشيال تايمز" و"الإندبندنت". وقد ورد كذلك في وثائق أفرج عنها مكتب التحقيقات الفدرالي أن الاتحاد الأميركي للحريات المدنية نقل عن بعض المعتقلين أن تعرض المصحف للتدنيس من قبل حراس في جوانتنامو يرجع إلى مطلع 2002. فضلا عما كشف عنه الاتحاد كذلك نقلا عن المعتقلين من تعرضهم لضروب متعددة من الإهانة والتحقير بما في ذلك الاعتداءات الجنسية من قبل بعض الحرس من النساء. وتأكيداً لتلك الممارسات نقلت صحيفة الـ"أوبزيرفر" عن "إيريك سار" أحد الحراس الذين عملوا في جوانتنامو قوله "هناك العديد من الممارسات الشنيعة والاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها المعتقلون في جوانتنامو". واللافت للنظر أن كل تلك الممارسات المخالفة للقانون لم تثر ما يكفي من الاستياء والتنديد لفتح تحقيق مستقل حول الموضوع أو حتى لتجديد الالتزام بمبدأ المحاسبة الديمقراطي والذي بات غائباً تماماً عن ذهن المسؤولين الأميركيين. ويتعدى هذا التجاهل للقانون إدارة بوش إلى الكونجرس الذي يبدو أنه يصم آذانه عن كل تلك الوثائق والتقارير التي تنشرها الصحافة. ولا يختلف موقف الجمهور الأميركي كثيراً إذ لا يبدي أي اهتمام لمعرفة ماذا يجري حوله.
ومن نافلة القول إن مثل تلك السياسات لا تساهم إلا في تأجيج مشاعر العداء والكراهية ضد أميركا وتسيء إلى سمعة بوش الذي يسعى إلى دعم الديمقراطية في العالم.