هناك تصور يفيد أن غزة والمستوطنات الأربع التي سيتم الانسحاب منها في الضفة الغربية يمكن أن تكون نهاية المطاف في العملية السلمية ليدخل الوضع في حالة جمود طويلة المدى. ويستند هذا التصور إلى مجموعة إشارات إسرائيلية.
أولها موقف شارون من خريطة الطريق والذي يقوم على الاعتراف اللفظي بها مع تجميدها في الواقع السياسي والفعلي، وهي إشارة صدرت مقدماتها مبكراً عندما طرح شارون الخطة على مجلس وزرائه ولقيت معارضة شديدة فراح يقنع الوزراء بالموافقة حفاظاً على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ومطمئناً خواطرهم إلى يقينه بأن الفلسطينيين سيرتكبون من الأخطاء ما سيعطي إسرائيل الفرصة لعدم التنفيذ. وهي طمأنة من شارون لوزراء اليمين المتشدد حملت معاني ضمنية بأنه حتى لو لم يرتكب الفلسطينيون الأخطاء المطلوبة، فإن في الجعبة الإسرائيلية من الحيل ما هو كفيل بوقف تنفيذ الخريطة.
أما الإشارة الثانية التي يستند إليها التصور المذكور فهي التصريح الأخير الذي أدلى به شارون ضد مشروع الانسحاب من غزة مؤخراً، إذ شرح وجهة نظره في عنصرين، الأول اقتناعه بأن القوى الدولية وعديد من قوى الداخل الإسرائيلي تدرك أنه من المستحيل أن يكون قطاع غزة جزءاً من إسرائيل في أي تسوية نهائية وهو ما يستوجب تطبيق المشروع من جانب إسرائيل وبمبادرة منها لاكتساب صورة صانع السلام. أما العنصر الثاني, فهو أن تنفيذ المشروع يخفف الضغوط الدولية ويسمح للإسرائيليين بتركيز جهودهم وتوجيه طاقاتهم إلى المناطق ذات الأهمية الأكبر لضمان البقاء والأمن. إن التصور الذي يفيد أن الموقف سيشهد جموداً طويل المدى بعد الانسحاب من غزة يكتسب قوته من الوقت الذي يحتاجه الإسرائيليون لزرع سقف تسوية منخفض في وعي القوى الفلسطينية وفي الساحة الدولية على حد سواء. إن التسريع بعملية السلام وتنفيذ مراحلها يفتح شهية العرب عامة والفلسطينيين خاصة، فيصممون على سقف يحدد ارتفاع القرار 224 الصادر عن مجلس الأمن والذي تم تطبيقه على سيناء بالانسحاب الإسرائيلي الكامل ويطالبون بتطبيق نموذج سيناء على الضفة. من هنا أصبح الخط السياسي المشترك بين قوى اليمين واليسار العمالي على حد سواء مؤسساً على فكرة التباطؤ لسد الشهية العربية وإضعافها لتقبل بعد ذلك بالمتاح والمسموح به إسرائيلياً بعد الوقوع في اليأس.
وهناك تصور بديل يرى أمراً آخر ويستند على تحليل استراتيجي للموقف في منطقة الشرق الأوسط على اتساعها مع التركيز على العراق. ويرى هذا التصور أن تصاعد العمليات في العراق مع ما يولده هذا التصاعد من ضغط على الإدارة الأميركية وفي أوساط الرأي العام الداخلي قد ينتهي خلال عام إلى إحدى نتيجتين: الأولى إعلان خطة للانسحاب من العراق بمعاونة من الدول العربية لتهدئة العمليات وخلق الأجواء المناسبة لتنفيذ الانسحاب دون شبهة توحي بتقاربه مع تجربة الانسحاب من فيتنام. وفي إطار هذه النتيجة المفترضة يرجح أن تضغط مجموعة الدول العربية للحصول على مقابل سياسي من الولايات المتحدة يتمثل في تسريع عملية التسوية الفلسطينية لإقامة الدولة وتهدئة المنطقة، وفي مثل هذه الصفقة العربية - الأميركية لن يجد الإسرائيليون مفراً من الرضوخ للمطالب الأميركية بتسريع وتيرة التسوية. أما النتيجة المحتملة الثانية لتصاعد الوضع في العراق فهي اتخاذ قرار أميركي بإرسال مزيد من القوات إلى هناك لإخماد العمليات مع الاستعانة بالقدرات الأمنية والعسكرية للدول العربية أو بعضها.
وفي إطار هذا الاحتمال يطرح التصور البديل أيضاً أن تنتفع الدول العربية بالحاجة الأميركية لجهودها فتضغط للحصول على مقابل سياسي في القضية الفلسطينية. وهنا ستجد إسرائيل نفسها مضطرة لتسريع وتيرة الانسحاب وتنفيذ خريطة الطريق.
وسواء تحقق التصور الأول ووقع التجميد طويل المدى لعملية التسوية أم تحقق التصور الثاني وتم تسريع العملية السلمية لأسباب أميركية فإن ملامح الشكل النهائي للتسوية قد تم تحديدها من خلال الكتل الاستيطانية في الضفة ومن خلال الضمانات التي حصل عليها شارون من الرئيس بوش والتي تعني أن نموذج الانسحاب الكامل من سيناء لا ينطبق على الضفة. وعلينا في ضوء التصور الثاني أن نرقب ما يحدث بشأن العراق لنرى ما إذا كان حقاً سيصبح بوابة التسوية الفلسطينية.