توقع الكثير من المراقبين انحسار التيار المتشدد في إيران، واتجهت أعين الكثير من المهتمين بالشأن الإيرانى إلى المرشح هاشمي رفسنجانى باعتباره الأقل تشدداً والأكثر تفهماً لضرورة الانفتاح على العالم.
من المؤكد أن النظام الثوري الإيرانى شعر بتهديد من مجيء رفسنجانى إلى الحكم وحشد قواه وراء المرشح المتشدد والذي عرف بتبنيه لقضايا الفقراء. الانتخابات الإيرانية جاءت لتعبر عن حالة تأزم في إيران وتعكس حالة التوتر والصراع بين القوى المحافظة والقوى الراغبة في الخروج من الدائرة الإيرانية المغلقة.
حظيت الانتخابات الإيرانية باهتمام عالمي لما لإيران من دور وثقل إقليمي في منطقة الخليج العربي كما أن دورها الراديكالي له انعكاساته على استقرار الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأكمله.
وسعت إيران في الآونة الأخيرة دائرة اهتمامها لتشمل أوروبا وشمال أفريقيا حيث خصصت مبالغ باهظة لدعم التوجهات الإسلامية الراديكالية سواء السنية أو الشيعية، مما يثير القلق بأن بعض المستفيدين من المساعدات الإيرانية يضمون عناصر متطرفة كحزب الله على سبيل المثال. انتهجت إيران نهجاً جديداً في مساعداتها حيث تفضل أن تكون إمداداتها غير مرئية لكي تتمكن من إنكار أي علاقة لها بأعمال العنف.
وبالرغم من تزايد القلق والخوف من نجاح أحمدي نجاد، إلا أننا كذلك يجب ألا نبالغ في قدرات إيران حيث إن أوضاعها الداخلية غير مستقرة وساحتها تشهد تنامياً لمطالب شبابية جديدة تسعى إلى الانفتاح على العالم. كما أن أوضاعها الاقتصادية غير مستقره مما يضاعف الضغوط على الرئيس الجديد.
إن العودة لشعارات تصدير الثورة التي أعلنها الرئيس نجاد تصب في خانة الاستهلاك المحلي وإنها جاءت لتشغل العامة عن مطالب الإصلاح الداخلية. وبالرغم من فهمنا لأبعاد هذه التصريحات النارية إلا أن لها انعكاساتها على استقرار الإقليم الخليجي وستدفع دول الخليج العربية لأخذ مزيد من الاحتياطات الأمنية للحد من أي توسع إيراني قادم.
منذ تفكك الاتحاد السوفيتى في عام 1991 وإيران أخذت في انتهاج خط جديد تمثل في مزيد من الدعم للقوى الإسلامية الراديكالية. فانهيار الاتحاد السوفيتي زاد من شعور إيران بالضعف، ويرى الإيرانيون أن الولايات المتحدة أصبحت قوة عظمى لا رادع لها. لذا فمن المهم لإيران أن تضعف النفوذ الغربي في المنطقة. وتسعى إلى فرض قوتها في الإقليم الخليجي وتحاول جاهدة عرقلة مسيرة السلام في الشرق الأوسط من خلال دعمها لسوريا وحزب الله في لبنان.
إن إيران شعرت بانتعاش كبير عندما سقط صدام حسين حيث زالت القوة التقليدية المنافسة، وأدى ذلك إلى خلل في موازين القوى الإقليمية وخصوصاً أن منظومة مجلس التعاون الخليجي تعيش حالة تفكك وتفاوت في وجهات النظر حيال كثير من القضايا سواء المحلية أو العالمية مما يضعف من قوتها.
إيران وبيد الرئيس نجاد بخلاف ما يعتقد البعض، لن تستطيع أن تعيد نفوذها في المنطقة حيث أوضاعها الداخلية متأزمة وهى مرشحة لانفجارات قادمة خصوصاً أن الرئيس الجديد أكد في برنامجه الانتخابي على القوة الإيرانية وعلى إحياء الثورة من جديد مما يعني إغفال قضايا الداخل ومطالب الإصلاح.
إيران تشهد صراعات جديدة ونعني بذلك أن الرئيس نجاد سيدخل في مواجهات مع رجال الدين الذين سيطروا على الاقتصاد الإيرانى واستطاعوا أن يكونوا ثروات ضخمة. فالتصدع الإيرانى سوف يكون بفعل قوى الداخل وقد لا نبالغ إذا ما قلنا إن زوال نموذج الدولة الدينية سيبدأ مع وصول نجاد إلى كرسي الرئاسة.