اكتتاب إصدارات جديدة، مستثمر مضارب بائع ومشترٍ، انخفاض وارتفاع... زيادة رأس مال شركة تؤدي إلى انخفاضات وارتفاعات... تذبذب... نتائج الربع الأول من السنة الثانية، فنتائج الربع الثاني من النصف الأول للسنة, أرقام ونسب ترفع ضغط مستثمرين وترسم الابتسامات على وجوه آخرين. الأعين تتجه للأعلى وأحلام الإثراء السريع مرتبطة بمؤشر صاعد هابط. وبين القيمة الاسمية للأسهم والقيمة الفعلية تبنى أحلام وتنهار أخرى، هي أحلام الإثراء السريع ولا يحملها مصباح علاء الدين، ولا إرث قادم من بعيد. هي قصص الربح السريع المحمولة على بساط الريح للأعلى ومن فئة محدودي أو متوسطي الدخل من الموظفين الذين تأتيهم القفزة للأعلى, أعلى السلم الاجتماعي والأدلة حاضرة. فـ"سلوم" فراش المدير هل تذكره؟، اشترى أسهماً لشركة.... وفي الفورة الذهبية للأسهم عام 1998 وقبل السقوط المدوي كان من الرابحين وانضم لنادي المليونيرات، بالتأكيد لن تذكره.
الصحف تفرد صفحات لأسعار الأسهم. نشرات الأخبار لا تختم إلا بحديث الأسهم. خبراء الأسهم أصبحوا وجوهاً إعلامية كخبراء السياسة على الفضائيات العربية، والغريب أن ذات الوجوه تتكرر في كل نشرات الأخبار على اختلاف القنوات العاملة بالدولة. والمضحك أن مضاربي السوق لا يستمعون لهذه التحليلات, فهم أدرى بخفايا السوق وهي بذلك فقرة زائدة على مهووسي الاستماع ومشاهدة الأخبار السياسية. محددات الأسواق المحلية خارج المنطق، وعلى العكس من جميع أسواق المال في المعمورة لا يرتفع مؤشر الأداء لخطاب الرئيس الأميركي ولا ينخفض مع المظاهرات المناهضة للعولمة، لذا يبدو سوق المال والأعمال خارج السياق العام للأحداث العالمية. قد تبدأ حرب عالمية ثالثة وتنتهي دون أن تؤثر على أداء أسواق الأسهم بالدولة، تنهار إمبراطوريات للمال وتقوم أخرى والمؤشر يرتفع وينخفض طبقاً لمحددات أخرى, قد يندرج تحتها بيع أحد هوامير الأسواق لأسهمه، أو لإشاعات تم تسريبها من مجلس إدارة إحدى الشركات الذهبية، والأخطر من ذلك بيع أحد كبار المؤسسين لأسهمه دفعة واحدة مسبباً ارتباكاً لدى صغار المستثمرين في لعبة مضاربات مكشوفة. لا ندعي معرفة بأسواق المال والأعمال، لكن كل ما لم يبنَ على منطق سليم ودراسة, سبيله إلى انهيار.
الاستثمار في سوق العقار استثمار تقليدي يحتاج لرأس مال كبير لا يتوفر للكثيرين، لكن الاستثمار في الأسهم لا يحتاج إلا للحد الأدنى والقليل من "الفهلوة" والكثير من الحظ. الشركات الاستثمارية الجديدة ستطرح أسهمها للاكتتاب, وتوقعات المستثمرين فوق السحاب. فإن كان سعر السهم اليوم بدرهم فغداً باثنين أي صافي ربح (50%). حسابات بسيطة لا تستدعي خبراء ماليين ولا محللين اقتصاديين. لقد امتد الهوس من صالات التداول إلى غرف النوم، ومن رجال الأعمال إلى المدرسات. أصبح للمال عنوان واحد هو الأسهم، إذا لم تثرِ الآن فلن تثري أبداً, شعار رفعه الشباب وترك الموظفون وظائفهم لأعين الإصدارات الجديدة. فإن لم يستقل الموظف فهو غير متواجد على رأس عمله. تحكى الطرائف عن التقاء المديرين بموظفيهم في صالات التداول... فالمدير في اجتماع خارج الدائرة والموظف مصطحب ابنه للعيادة، وهكذا. صحيح أن من حق كل إنسان أن يحلم بالثراء وبالمال الوفير، وإذا كان سوق الأسهم كله رابحين فأين الخاسرون؟ قصص النجاح والإثراء السريع يتداولها الشباب قبل الشياب، لم نسمع عمن خسروا ثرواتهم أو مدخراتهم ومدخرات زوجاتهم وأمهاتهم بخيارات خاطئة أو متسرعة بأسواق الأسهم. لا يمكن مصادرة حق الإنسان بالحلم، لكن خطورة الموضوع كونه مالا سهلا، نعم هو سهل لم يتعب المستثمر في جنيه إلا بالتحديق في اللوحة الإلكترونية والتكدس أمام شركات الوساطة، والكثير من الحظ.
قد تبنى الثروات بضربة حظ، لكن لكم سيمتد الحظ؟. الثراء السريع ستقابله خسارة أسرع. فالمقامرة أسهل ما يكون، وكلما ارتفعت التوقعات كلما زادت الخطورة الاجتماعية لهوس الأسهم. للأسف التوعية أصعب ما يكون في هذه المرحلة فهذا زمن الحلم واللامنطق.