صار الثراء طريقاً معبداً وسهلاً, ما عليك إلا أن تلصق لفظ خبير في سيرتك الذاتية ليحالفك الحظ الجميل... وتدرس أحد المشاريع التي يصدق صاحبها كل ما يقوله الخبير الاقتصادي, الذي يهدف أقصى ما يهدف الى ربح مالي وفير, وليذهب المشروع بعدها إلى الجحيم.
سوق المشاريع يتحدث بإسهاب وألم عن الخبراء الذين نجلبهم بحرص وغبطة وفخر, وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا مرتزقة، باحثين عن مصالحهم الخاصة جداً, وهذا ما يغيب عن بال أصحاب المشاريع حين يتعاملون مع الخبير وكأنه صاحب العصا السحرية، العالم بباطن الأمور وظاهرها، وكل مقومات هذا الخبير أنه أوروبي أو كندي أو أميركي وأنه يضع هذا اللقب أمام اسمه ليس إلا.
هناك العشرات من الخبراء الذين قاموا بدراسة جدوى اقتصادية لمشاريع عدة، لم تر هذه المشاريع النور, لأن وقت تنفيذها غاب عن الخبير أن يعطي المشروع حقه في ذكر التفاصيل والسلبيات والعقبات المتوقعة وذلك لجهله وقلة خبرته، فيفشل المشروع قبل أن يبدأ.
ولعل بعض المشاريع التي تنفذ حالياً، يتحمل أصحابها الكثير من الأخطاء والأضرار التي يسببها المشروع, بعد أن كانوا آخر من يعلم بالأمر لأن خبير الدراسة الاقتصادية لم يكن مهتماً بالإلمام بكافة التفاصيل الضرورية والتي ستساهم في إنجاح المشروع وتسريع إنجازه، ناهيك عن الأضرار البيئية التي لا يعبأ بها الخبير ويكاد لا يتطرق إليها البتة، ولعلها الأهم في كافة المشاريع مهما كانت حيوية وماسة. البيئة ذات المساس المباشر بالبشر القاطنين للمكان هي المعنية الأولى بمثل هذه المشاريع التي لابد وأن تكون أولوياتها الحفاظ على بيئة صحية آمنة خالية من الأضرار والاعتداءات. واقع الأمر يقول إن أغلب الخبراء عميان عن مثل هذه الحقيقة ولا يكاد شأن البيئة والإنسان يقع ضمن اعتباراتهم.
وماذا عن الخبراء في مجال التعليم الذين عاثوا في التعليم الفساد والتهاوي والتراجع. ترى بعض ظلالهم المعتمة في أروقة الجامعات والمدارس, ولا تكاد تبين بصمة أو لفتة، كل ما هنالك رواتب مجزية وأعمال مفبركة وخطط قديمة يتم تغيير "اللوك" الخاص بها ليدعي بعدها الخبير أنه صاحب خطة لم يأتِ بها الأوائل.
وقس على أعمال الاستغفال التي يمارسها الخبير بجدارة, ونكون أبطالها بجدارة أكبر, وكأن على رؤوسنا الطير وعلى عقولنا متاريس من فولاذ... نتبع تعاليمهم بطاعة غريبة، ولا شيء إلا سذاجة لا تليق بنا البتة.
وصايا الخبير "المقدسة" غير ملزمة، ربما كانت ذات بعد يمكن التفكير به, لكنها لا تعني أنه لا توجد هناك مساحة للنقاش معه ومغالطته واستدعاء جيوش الحقائق, وبت ما تشاء, لا ما يشاء هو. إن مثل هذا التهاون هو ما جعل أمثال هؤلاء الخبراء ينتشرون كالحريق لدى شركات الخبرة التي تتكاثر بشكل شيطاني إلى درجة يعجز فيها الإنسان عن تمييز الأفضل والأجدر. ورغم أنه حديث ليس بالجديد لأنه مطروح منذ سنوات, لكن الاستمرار فيه هو ما يبعث على العجب, وكيف بعد كل هذه "التجارب" التي أتى بها "الخبراء" تتابع السنوات ولم نستفد من التجربة لنضع ضوابط لمثل هؤلاء المستغلين، المستنزفين لكل هذا الهدر.
قال الأولون "إن الحكيم من يتعلم من تجارب غيره...", وربما كان هنا مربط الفرس. الحكمة هي ضالة المؤمن ونحن ما زلنا على ما يبدو ناقصي إيمان لنتمكن من أدواتها وحضورها في كافة مفاصل الحياة المصيرية.
متى نقرر عدم الاكتفاء بدور الواجهة، الشكلي؟ ونكون أهل الأفكار ومنفذيها، وقتها فقط سنعرف أي فخ نصب لنا!.