تحدث الدكتور طارق سيف في مقاله الأخير على هذه الصفحات، عن إدمان المنصب كمرض يصيب المسؤولين العرب، وتعرض بنباهة فائقة إلى المظاهر والأضرار والآفات المرتبطة بهذه الظاهرة، منبهاً إلى مخاطرها فيما يتعلق بجهود التطوير والابتكار والروح المعنوية لدى الشباب والعمل المنهجي المنظم وصيانة الحقوق، ليخلص من تشخيصه الدقيق إلى المطالبة بإصدار قانون لمكافحة إدمان المناصب، بل وليقترح هو قانوناً في ثلاثة أبواب، يتناول أولها حوافز أدبية ومادية لتشجيع من يتخلون طواعية عن مناصبهم، أما الباب الثاني فيتناول العقوبات الجزائية بحق من يستسلمون لإدمان الاستمرار في مناصبهم، فيما يتعلق الباب الثالث بالتشريعات التي تمنع استمرار الظاهرة وتحول دون استفحالها.
والحقيقة أن المقال يقدم أطروحة جديدة وجريئة في إطار موضوعه الذي يمثل أحد الإشكالات المزمنة والمؤرقة في الواقع العربي، حيث أدى إدمان المناصب إلى كوارث وإحباطات ليس لها حدود منذ أفول العهد الاستعماري وبروز الدول الوطنية في بلداننا؛ فباسم التداول على المناصب والرغبة في إنهاء احتكار السلطة شهدت العديد من البلدان العربية ظاهرة الانقلابات العسكرية التي أدت إلى تأبيد حكم الحزب والنخبة والفرد حتى تحولت الجمهوريات إلى عصبيات وراثية أنتجت الفساد والاستبداد من أوسع أبوابهما. ثم تحت شعارات تحث على محاربة الظاهرة ذاتها، تحالفت بعض النخب أيضاً مع الاستعمار الجديد وتحاول الآن تكريس حكمها كبديل عن سلطة أخرى حاولت تأبيد وجودها ممسكة برقاب الناس! ولعل الصراع بين نخب تتنازع مواقع السلطة وأدوات امتلاكها غير المشروطة، هو النتيجة التي باتت سبباً والسبب الذي بات نتيجة، في دور وتسلسل يعكسان حجم العطب الذي أصاب فكرة العقد الاجتماعي العربي، بل مأزقه المستفحل! من هنا كان السؤال الغائب (ولا أقول: المغيب) في مقال الدكتور طارق سيف، وهو السؤال الذي يتعلق بعلل إدمان المناصب، والدلالات الخاصة بتلك الظاهرة!.
عبيد عامر- الكويت