إيتر وكاداراش ليسا عاشقين كقيس وليلى أو روميو وجوليت، كما أنهما ليسا اسماً لفيلم هندي كشام ورام، وإنما هما اسم لـ"تسونامي" في مجال الطاقة سيؤدي في حال إنجازه بعد ثلاثين عاما إلى تغيير وجه الحياة على كوكب الأرض، مثلما غيرت الطاقة الكهربائية ومن ثم النفط وجه الحياة بصورة شاملة منذ نهاية القرن التاسع عشر.
إيتر هو اسم المشروع النووي الاختباري الذي يشترك فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية والذي يتكلف 10 مليارات يورو أو 12 مليار دولار والذي تقرر إقامته بعد جدال طويل في منطقة كاداراش في الجنوب الفرنسي الجميل.
هدف المشاركين في هذا المشروع البالغ التكاليف والأهمية يكمن في الحصول على طاقة نظيفة غير محدودة ورخيصة نسبياً، هذا الهدف هو الذي جمع كل هذه الإطراف المتناقضة والمتضاربة المصالح، حيث استوعبت جميعها ما ينتظرها من تحديات مستقبلية بسبب نقص مصادر الطاقة التقليدية، كالنفط والغاز.
لماذا ثلاثون عاماً؟ لسبب بسيط وهو أن العمر الافتراضي للنفط يتراوح ما بين 30 – 40 عاماً، بعدها سيبقى مجرد ذكري جميلة لبعض البلدان ومصدر قلق وتلوث لبعضها الآخر.
سؤال آخر أكثر أهمية، هل سيتحقق ذلك ويتم الوصول إلى الطاقة النظيفة واللامحدودة؟ أعتقد ذلك، فعقول وعلماء هذه البلدان منفردة حققت المعجزات، فما بالك وهي مجتمعة في مكان واحد وتحت إمرتها موارد مالية ضخمة وإمكانيات كبيرة في مختلف المرافق.
هذه هي رؤية العالم الصناعي بكل تناقضاته للمرحلة القادمة، أما رؤية العالم النامي، فإنها لم تحدد بعد، إلا في حالات نادرة سنأتي على ذكرها.
بدائل النفط والغاز في الوقت الحاضر محدودة، كما أن ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة شكل تحدياً جديداً لاقتصاديات مختلف بلدان العالم، وبالأخص البلدان المنضوية تحت برنامج إيتر المشار إليه.
وكما هو الحال دائماً، فإن بدائل النفط كمصدر للطاقة تطفو على السطح مع الارتفاعات الحادة في الأسعار، إلا أن هذه المرة ترافق هذا الأمر مع اتخاذ خطوت عملية تمثلت في مشروع إيتر الضخم.
في نفس الوقت لا تريد هذه البلدان أن ترى نفسها في أزمة طاقة خانقة وتحت رحمة البلدان النامية المنتجة للنفط، ومعظمها بلدان عربية وإسلامية، بعضها غير مستقر، كالعراق أو أن علاقتها معه متوترة باستمرار كإيران.
بالتأكيد البلدان المنتجة للنفط، بما فيها البلدان العربية تملك كل الإمكانيات لوضع وتنفيذ رؤيتها الخاصة لفترة ما بعد النفط وإيجاد مصادر دخل بديلة، مثلما تحاول البلدان الصناعية إيجاد مصادر طاقة بديلة.
الارتفاع الأخير في أسعار النفط يضاعف هذه الإمكانيات ويفتح آفاقاً وفرصاً لا تقدر بثمن لوضع وتنفيذ البرامج الاقتصادية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل القومي، حيث تقدم دولة الإمارات نموذجاً يحتذى به في هذا الصدد، فحصة النفط في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت من 70% إلى 38% في غضون العقود الثلاثة الماضية. وبالتأكيد لا زال هناك الكثير من المهام الممكن إنجازها في الدولة، إلا أن تقدماً كبيراً أنجز على هذا الطريق، بحيث أصبح اقتصاد الإمارات أكثر تنوعاً وتطوراً في فترة زمنية قصيرة نسبياً.
التغيرات العالمية كبيرة وسريعة ولا تقتصر على الجانب الاقتصادي وحده، وإنما تشمل كافة الجوانب، ومن أجل النجاح في المنافسة وتحقيق مستويات من التقدم والاستقرار لابد من وضع وتنفيذ استراتيجيات ورؤى في مجالات الطاقة والاقتصاد والتعليم والبناء المجتمعي بشكل عام. وكأولوية لابد وأن يكون للبلدان المنتجة للنفط مشروع إيتر كاراداش الخاص بها للثلاثين عاماً القادمة والرامي إلى تنويع القاعدة الإنتاجية وإيجاد مصادر دخل بديلة، مع الاستفادة من التجارب الناجحة والتي أشرنا إليها آنفاً.