أكثر الكتب رواجاً في إيران في الوقت الراهن هو كتاب" حياتي"، وهو عبارة عن سيرة ذاتية بقلم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وهناك ثلاث ترجمات غير معتمدة للكتاب موجودة في السوق بالفعل، وهناك ترجمتان أخريان على الأقل قادمتان على الطريق حسبما تقول الصحف الإيرانية. وكما تدل كافة الآراء التي تم استطلاعها، فإن الرئيس بوش لو قام بكتابة مذكراته فإنها ستلقى نفس الدرجة من الرواج والإقبال التي لقيتها مذكرات كلينتون. وليس هذا في الحقيقة سوى مؤشر آخر يضاف إلى سلسلة المؤشرات الدالة على التغير الذي حدث في مزاج الشعب الإيراني والذي أصبح أكثر ميلا في أغلبيته الساحقة للولايات المتحدة.
والصحف التي أوردت الأنباء الخاصة بمبيعات كتاب كلينتون الأسبوع الماضي، هي نفسها التي غطت بطريقة يغلب عليها الصخب الشديد، الموقف المتحدي الذي اتخذه الرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد في أول مؤتمر صحفي يعقده بعد إعلان نتيجة الانتخابات. ويشار إلى أن أحمدي نجاد، قد داس على رسم يمثل العلم الأميركي وهو متوجه إلى مقر الانتخابات الذي أدلى فيه بصوته، كما أنه رفض فكرة أن إيران بحاجه إلى إقامة أي علاقة مع الولايات المتحدة، وتعهد بالاستمرار في بناء مفاعل إيران النووي الذي تعارضه واشنطن، وخاطب الأوروبيين المتغطرسين داعياً إياهم إلى النزول من أبراجهم العاجية ومخاطباً الإيرانيين مخاطبة الند للند.
لم يكن ما قاله نجاد ممثلاً للحقيقة. فالحقيقة هي أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ومعه عصبة من الملالي المحافظين، وزعماء الحرس الثوري، هم الذين هربوا إلى أبراجهم العاجية بعقائدهم الجامدة، وجشعهم للسلطة. لقد قام هؤلاء متجاهلين نذر الأزمة الخطيرة بالتخطيط لفوز نجاد. فوفقا لما ورد على لسان ثلاثة من خصوم نجاد الرئيسيين، فإن أعضاء الحرس الثوري، وميليشيا "الباسيج" الذين يصل تعدادهم إلى الملايين، تلقوا أوامر بالتصويت لصالح نجاد على أن يقوم كل فرد منهم بإحضار عشرة من أفراد عائلته إلى مقار التصويت. وادعى نفس المصدر أن ملايين الدولارات من الأموال العامة، قد وزعت على أعضاء المليشيات، كي يستخدموها كرشاوى لإقناع المتشددين بالمشاركة في الانتخابات، والتصويت لصالح نجاد.
على الرغم من أي شيء، فإن نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة- وعلى العكس من الاعتقاد السائد- تعتبر دليلا على ضعف النظام الحاكم في إيران، أكثر مما هي دليل على قوته. فالانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي في إيران هي دليل آخر على الحكمة التكتيكية والغباء الاستراتيجي في ذات الوقت لنظام الملالي الحاكم في طهران. فجميع المرشحين الإصلاحيين، وعلى وجه الخصوص، علي أكبر هاشمي رافسنجاني، بالإضافة إلى السبعين في المئة من الناخبين الذين صوتوا لصالح الإصلاحيين، أو قاطعوا الانتخابات، كانوا يسعون أولا وقبل أي شيء إلى الحد من الطغيان المتزايد للمرشد الأعلى آية الله خامنئي.
لقد حاول خامنئي وحلفاؤه القبض على زمام السلطة المطلقة، ولكنهم في سياق ذلك- وربما دون قصد- قاموا بفتح الباب أمام الديمقراطية بعد أن أدت تكتيكاتهم الخشنة إلى حدوث تصدع يعد الأخطر في صفوف طبقة الملالي الحاكمين منذ بداية الجمهورية الإسلامية. وهذا شيء خطير للغاية، لأن تجارب الديمقراطيات البازغة حديثا بعد عقود من الطغيان، قد أثبتت بما لا يدع مجالا لأي شك أن التصدعات التي تحدث داخل الدوائر الحاكمة كانت تمثل دائما النذير بسقوط النظم السلطوية. ورئاسة أحمدي نجاد سوف تؤدي إلى إحداث أزمة، ليس فقط في المؤسسة السياسية الإيرانية، ولكن أيضا- وهذا هو الأكثر أهمية- في الاقتصاد الإيراني. فالمشاكل التي يعاني منها هذا الاقتصاد، والتي تتمثل في نسبة البطالة المرتفعة، والواسطة، والمحسوبية، والفساد المستشري، لن يمكن معالجتها إلا من خلال ضخ كميات ضخمة من الأموال والخبرات في الاقتصاد، مع فتح الأسواق.
ومثل هذا الضخ للأموال يتطلب وربما أكثر من أي شيء آخر توافر الأمن وحكم القانون، كما يتطلب أيضا رئيسا منتخبا انتخابا حرا، وقادرا على بث الثقة في نفوس المستثمرين والحكومات في مختلف أنحاء العالم. الذي حدث بدلا من ذلك، هو أن صانعي الملوك في إيران، قد أطلقوا من خلال عملية انتخابية مشكوك في نزاهتها إلى سدة السلطة رجلا يرى أن سوق الأوراق المالية هي نوع من القمار ليس له مكان في مجتمع إسلامي أصيل.
ليس هناك ما يدعو للدهشة والحال هكذا في أن يترافق إعلان انتخاب نجاد بأكبر انخفاض لقيمة الأسهم والسندات يحدث في تاريخ البورصة الإيرانية على الإطلاق. ويطلق الإيرانيون على اليوم الذي حدث فيه ذلك الانخفاض التاريخي اسم " السبت الأسود" وهو اليوم الذي يحاول الرئيس المنتخب جاهدا أن يعالج آثاره. وفي الحقيقة، أن أحمدي نجاد سارع بتقديم وعد بأنه لن يغلق سوق الأوراق المالية، كما أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية انطلقت في كل مكان كي "تثبت" أن الإشاعات الخاصة بإغلاق سوق الأوراق المالية ليست سوى مؤامرة من أعداء ا