تقول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إن بلادها "سعت على مدى 60 عاماً إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية"، ثم اعترفت قائلة:
لكننـــا لم ننجز أياً منهما. واستطردت قائلة: الآن نتبنى نهجاً جديداً. نحن ندعم التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب .
ترى كم ستطول مدة النهج الجديد الذي يركز الآن على الديمقراطية؟ وهل ستبقى السياسة الأميركية الظاهرة الآن تركيزاً على الديمقراطية على حساب الاستقرار؟ وهل ستنتج هذه السياسة شيئاً؟ أم أن المنطقة محكومة بهذه السياسة الأميركية التي تركز تارة على الاستقرار على حساب الديمقراطية ولا تنتج شيئاً منهما, وطوراً على الديمقراطية على حساب الاستقرار ولا تحقق شيئاً منهما أيضاً؟ وبالتالي هل قدر هذه المنطقة ألا تنعم بالاستقرار والديمقراطية بسبب هذه السياسة الأميركية التي تضاف إلى الأسباب الداخلية الموضوعية في كل بلد من بلادنا، بل تضاعفها هنا وهناك؟.
وتدعو السيدة كوندوليزا رايس دول المنطقة إلى, "احترام الحقوق الأساسية لمواطنيها مثل حرية التعبير والتجمع والعبادة والتخلص من ظاهرة زوار الفجر, ودق رجال الشـــــرطة السرية أبواب البيوت منتصف الليل", وهذه دعوى مشكورة وأساسية ومهمة ومنطقــــية ومطلوبة في بلادنا جميعاً. ولكن هل يتحقق ذلك بالاحتلال؟ بالفوضى؟ بالمزيد من القهر؟ أم بالمزيد من القمع أم سياسة الفرض الخارجي؟ وهل يتحقق ذلك بالتعاون مع أنظمة كانت هي السبب في القمع والقهر وذلك بدعمها على مدى سنوات, ثم بالعمل على تدميرها في حروب تطول لسنوات أخرى؟. وهل يمكن الوصول إلى ذلك بدون تنمية حقيقية، لا يمكن أن تتحقق بالسيطرة الأميركية على موارد وثروات الشعوب والدول, أو بابتزاز الشعوب بها؟
يقول وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد: إن أعمال التمرد في العراق قد تستمر 5 سنوات وربما ست أو ثماني أو عشر أو 12 سنة. إن عملنا يقضي بجعل قوات الأمن العراقية قادرة على قهر التمرد!
كيف يكون ذلك؟ أبستمرار الاحتلال؟ أي باستمرار الذريعة المشروعة للمقاومة إذا اعتبرنا أن كل ما يجري في العراق "مقاومة", وأنا لا أقر بذلك, إذ أن العمليات التــــي تستهدف المدنيين ورجال الشرطة والناس والمصلين ليست كذلك.
ويضيف رامسفيلد: إنهم يقتلون مزيداً من العراقيين وليس لديهم أي رؤية وطنية ليس بينهم هوشي منه وماو. إنهم غرباء يحاولون فرض إرادتهم على حكومة منتخبة في العراق وسيخسرون!
إلى متى الاستمرار في المكابرة ونفي الحقائق والوقائع؟ هل كل "المتمــــردين" غرباء؟ أليس ثمة عراقيون بدأوا بالقتال ومستمرون به في مواقع مختلفة في البلاد؟ وإذا كان هؤلاء لا يملكون رؤية وطنية، فماذا يقول السيد دونالد رامسفيلد للأميركيين الذين يتساءلون في الكونغرس وخارجه عن الخطة والرؤية الأميركية لما بعد الحرب في العراق؟ ماذا يقول لكل الذين انتقدوه وانتقدوا إدارته بسبب عدم وجود هذه الخطة؟ وبسبب الارتجال والانفعال؟ وبسبب الممارسات التي ارتكبت ضد العراقيين في سجن أبو غريب وغيره وفي عدد من المدن العراقية؟
ويقول الرئيس جورج بوش في إشارة إلى الانتقادات المتزايدة للحرب, في الكونغرس ومن المواطنين الأميركيين: البعض قد يختلف مع قراري إطاحة صدام حسين من السلطة، لكننا جميعاً موافقون على أن الإرهابيين في العالم قد حولوا العراق جبهة مركزية في الحرب ضد الإرهاب ..." وأضاف: إن الجنود الأميركيين يواجهون الإرهابيين على أرض العراق، كي لا يواجهوهم في أميركا!
ترى هل كان يدرك الرئيس جورج بوش أن الحرب على العراق ستؤدي إلى ذلك؟ وإذا كان يدرك ذلك، أما كان عليه عدم الإقدام على قرار الحرب الذي أعلن بوضوح أنه اتخذه قبل أحداث 11 سبتمبر, وقد جاءت وثيقة "10 داونينغ ستريت" لتؤكد ذلك.
وإذا كان الرئيس جورج بوش غير مدرك لنتائج الحرب على هذا الصعيد, فهو وإدارته يتحملان مسؤولية الدمار والفوضى والخسائر في العراق، والكلفة السياسية والمعنوية والمادية والبشرية التي دفعتهــــا أميركا! وبالتالي يتحملان مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الدولية والعلاقات الدولية.
وفي هذا الإطار يكون الأميركيون المنتقدون على حق. كما يكون العراقيون المتمردون أو المقاومون على حق. وقد يستخدم بعضهم هذا الحق للقيام بباطل...
سؤال نطرحه على الرئيس جورج بوش وعلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد, هل مواجهة الإرهاب تقضي بنفخ عقود "شركة هاليبرتون" مثلاً, وارتكاب فضائح مالية كبرى وتبديد أموال العراقيين والأميركيين في وقت تدعو فيه الإدارة الأميركية إلى تعميم قيم الشفافية ومكافحة الفساد؟
وماذا يعني تراجع شعبية الرئيس جورج بوش في أميركا بعد التجديد له منذ أشهر؟ وماذا تعني الانتقادات القاسية التي توجه إلى إدارته داخل وخارج الولايات المتحـــــدة الأميركية؟
إلى متى ستبقى الإدارة الأميركية مصممة على عدم الاستماع للانتقادات والملاحظات والنصائح والدراسات والأفكار الجدية؟ وإلى متى ستبقى العبقرية التي تقود