من يتابع موقف الفرنسيين من التصويت على الدستور الأوروبي يلحظ ثباتاً في اتجاه الرفض، وهو ما كشفت عنه قبل يومين نتائج الاستفتاء الذي أجراه الفرنسيون لتحديد موقفهم من هذه الوثيقة التي ستحدد آليات العمل واتخاذ القرار في أوروبا الموحدة. لكن إضافة إلى المأزق الذي يشكله هذا الرفض سواء للرئيس جاك شيراك أو للاتحاد الأوروبي برمته، فإنه يؤكد مدى الديمقراطية التي يتمتع بها الشعب الفرنسي، وخاصة أن الفرنسيين هم من وضعوا اللبنة الأولى للاتحاد الأوروبي، وهم من يسعون إلى دور فاعل لبلادهم وقارتهم على الصعيد العالمي.
وفي تقديري ربما يكون الرفض الفرنسي خطوة أولى على طريق إعادة النظر في هذا الدستور وتعديل بنوده كي يقبله الأوروبيون في وقت لاحق، وخاصة أنه لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي عليه. وفي هذه الحالة سيكون للشارع الأوروبي دور كبير في صناعة وصياغة مستقبل أوروبا الموحدة، وخاصة أن هناك تحفظات لدى الفرنسيين مثلاً على الدستور الأوروبي، كونه يكرس الرأسمالية ويضر بالمكاسب الاجتماعية التي يتمتع بها الفرنسيون في الوقت الراهن. ومن الصعب الإسراف في التشاؤم والقول إن الاتحاد الأوروبي سينفرط عقده بعد الرفض الفرنسي للدستور، بل يمكن القول إن موقف باريس سيكون درساً كبيراً للمسؤولين عن صياغة الدستور ليضعوا في اعتبارهم في المستقبل، موقف الرأي العام الأوروبي من أية وثيقة أوروبية مشتركة. وعلى المنظمات الإقليمية الأخرى أن تستوعب تجارب الاتحاد الأوروبي بسلبياتها وإيجابيتها، لأنه بات واضحا أن كلمة الشعوب هي الأقوى، مهما حاولت النخب السياسية إثبات العكس.
خالد عبدالرحيم- الشارقة